recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء السادس)

 ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء السادس)



إعداد - محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء السادس مع غزوة بنى المصطلق وقد توقفنا مع السرية الثانية في شهر شوال فكانت سرية بقيادة عبد الله بن رواحة وكانت مهمتها اغتيال اليُسير بن رزام، وهو أمير خيبر وهو من أكابر اليهود، وهو من الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر، وفى وادي القرى لحرب المسلمين، ولم يكتف بذلك، بل بدأ يجمع غطفان من جديد لحرب المسلمين ويقوم بالدور الذي قام به قبل ذلك حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، ولكي لا تتكرر مأساة حصار المسلمين في داخل المدينة وحرص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على التخلص من هذا الطاغية، وبذلك يجنب المسلمين ويلات أزمة ضخمة قد تحدث، فكانت هذه السرية المكونة من ثلاثين مسلم في شوال فى السنة السادسة للهجرة وقد تمكنت هذه السرية فعلا من قتل اليسير بن رزام، وأمن المسلمون بذلك شر خيبر بصفة مؤقتة، ولا شك أن العلاج النهائي لمشكلة خيبر.


وتأليبها المستمر على المسلمين هو الغزو المباشر لخيبر وحربها حربا فاصلة كتلك الحروب التي تمت قبل ذلك مع يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وكان هذا الحل النهائي، ولكن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن يستطيع أن يغزو خيبر دون أن يؤمن ظهره وأخطر ما يهدد ظهره هو غزو قريش للمدينة، وبالذات أنه لم يمر على غزو المدينة إلا عام واحد فقط، وإذا خرج النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لحرب خيبر حربا شاملة فقد يستغرق ذلك فترة طويلة من الزمان قد تصل إلى شهر لشدة بأس المقاتلين من أهل خيبر ومناعة حصونهم، ولا يستطيع النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن يترك المدينة خالية من الجند فترة طويلة غير محسوبة، لذلك اكتفى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بقتل رأس الفتنة ومحرك الجموع هو اليسير بن زرام، إلى أن يصل إلى وسيلة لتأمين جانب قريش، ثم بعدها يتفرغ لقضية خيبر.


أما السرية الثالثة والأخيرة في هذا الشهر فكانت سرية خطيرة أخرى ووجهتها إلي مكة المكرمة عقر دار قريش ومهمتها في غاية الخطورة وهذه المهمة هي اغتيال أبي سفيان شخصيا، وكانت هذه السرية ردا على تجميع أبي سفيان للجموع الضخمة لحصار المسلمين في الأحزاب، ومحاولة إهلاك أهل المدينة جميعا، وكذلك ردا على محاولة أبي سفيان لاغتيال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل أعرابيا إلى المدينة لهذا الغرض وفشلت محاولة الأعرابي وكما فشلت محاولة الأعرابي، فشلت أيضا محاولة السرية الإسلامية التي كانت بقيادة عمرو بن أمية الضمري في اغتيال أبي سفيان، وعمرو بن أمية الضمري الكناني، هو صحابي جليل وأحد أَنجاد العرب ورجالها نجدة وجراءة وشجاعة وإقداما وفاتكا من فتاكهم في الجاهلية وقد بعثه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في سرية وحده إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة.


كما بعثه في سرية لقريش وكان الناجي الوحيد من الصحابة الذين خرجوا في سرية بئر معونة، ولكن بعد فترة أسلم وحسن إسلامه، ولكن المهم في هذا الموقف هو أن قريشا علمت أنها مهددة بجدية في عقر دارها، ولقد كانت هذه سرية عمرو بن أمية في شوال فى السنة السادسة، وبذلك مرت سنة كاملة على غزوة الأحزاب والتي كانت في شوال فى السنة الخامسة ، ولقد تميزت السنة السادسة من الهجرة بأنها كانت سنة جهادية من الدرجة الأولى، حيث انتشرت فيها جيوش الإسلام في كل أنحاء الجزيرة العربية تقريبا، وتمت فيها عشرون حملة عسكرية، ويعني هذا أن هناك حملة عسكرية كل عشرين يوم، وقد كان منها سبع عشرة سرية بقيادة الصحابة، وثلاث غزوات بقيادة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومع أن هذه الغزوات والسرايا بصفة عامة لم تكن من المعارك الضخمة إلا أن تأثيرها كان عميقا على أهل الجزيرة.


سواء من المسلمين أو المشركين أو اليهود أو المنافقين أو الأعراب، وتحسن الوضع الأمني للمسلمين في الجزيرة العربية سواء في المدينة المنورة أو في القبائل المسلمة في أي مكان، أو حتى للمسلمين العابرين، أو المسافرين من مكان إلى مكان، فقد أصبح للمسلمين هيبة عظيمة في قلوب الجميع، وقد تحسن المستوى العسكري والأداء القتالي للمسلمين تحسنا ملحوظا، فهذه كانت دورات عسكرية تدريبية عملية تختلف كثيرا عن التعليم النظري، وتختلف حتى عن التدريب الاصطناعي غير الواقعي، وأيضا قد تحسن الوضع الاقتصادي للدولة الإسلامية، وذلك نتيجة لعدة عوامل منها الاستقرار الأمني الذي يشجع المناخ التجاري، ومنها العلاقات المنتشرة للمسلمين في كل مكان، ومنها كثرة الغنائم من السرايا والغزوات، ومنها اعتماد المسلمين تجاريا على أنفسهم بعد قطع العلاقات التجارية مع اليهود، وقد أقام المسلمون علاقات دبلوماسية قوية 


مع الكثير من موازين القوة في الجزيرة العربية، سواء على المستوى القبلي أو على مستوى الأفراد الزعماء، وقد أقام المسلمون علاقات دبلوماسية قوية مع قبائل بني المصطلق، وبني كلب في دومة الجندل، وكذلك مع بعض الزعماء الكبار أمثال ثمامة بن أثال، وكان في المقابل لهذه العلاقات حدث تفكك ملحوظ في علاقات قريش بكثير من القبائل العربية، فالقبائل التي عقدت علاقات مع المسلمين فقدتها قريش، وآثرت أكثر القبائل أن تبقى على الحياد، فلا هي مع قريش ولا هي مع المسلمين، وهذا انتصار للمسلمين، لأن قريشا مع ما لها من تاريخ وقوة وسيادة لم تعد مقنعة لعموم القبائل العربية كحليف، وقد شعرت قريش بالقلق الشديد نتيجة نمو الدولة الإسلامية بهذه الصورة وأحست أن المسلمين قادرون على تهديدها في عقر دارها، وكان ذلك له أثر كبير على الحالة النفسية للقرشيين جعلهم يشعرون أن البساط يسحب من تحت أقدامهم. 


وأن الأيام القادمة ليست لهم، وذلك نتيجة التقدم الإسلامي الملموس، والتأخر القرشي الواضح فقد ارتفعت معنويات المسلمين جدا وزادت ثقتهم بأنفسهم، وهذا سيعطيهم القدرة على الانطلاق إلى قرارات جريئة تكون لها تبعات كبيرة ولن يقف أمام أحلامهم أحد، وكان نتيجة هذا المستوى الإسلامي المتميز سارع المنافقون بكتم نفاقهم، ومن كان يجاهر بالسوء أيام الأحزاب فإنه الآن يداهن ويتخفى، وليس معنى ذلك أنهم سيكفون عن أذاهم، ولكن معناه أنهم سيكيدون كيدهم بحذر أكثر وحرص أعظم، وهذا قد يضاعف من خطرهم، وما أحداث غزوة بني المصطلق بخافية على أحد، فهم دبروا هذه الفتنة التي حدثت بها في الظلام دون أن يجهروا بشيء، بل إنهم عندما سئلوا مباشرة عن هذه الأحداث أنكروها وحلفوا بالله تعالى ما قالوا، ولا شك أن فتنة المنافقين ستزداد كلما ازدادت قوة الدولة الإسلامية، وستتفاقم هذه الفتنة بعد ثلاث سنوات، وأثناء غزوة تبوك.



google-playkhamsatmostaqltradent