recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء الخامس)

 ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء الخامس)



إعداد - محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الخامس مع غزوة بنى المصطلق وقد توقفنا مع السيدة عائشة فى حادثة الإفك عندما انطلق الناس، فتلففت بجلبابها ثم اضطجعت في مكانها، وعرفت أن لو قد افتقدت لرُجع إليها، فمر بها الصحابي صفوان بن المعطل السلمي، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادها فأقبل حتى وصل عندها، وقد كان يراها قبل أن يُفرض الحجاب، فلما رآها قال " إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال " ما خَلَّفَك يرحمك الله؟ " فما كلمته ثم قرب البعير فقال لها "اركبي " واستأخر عنها، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس، فتكلم أهل الإفك وجهلوا، وقد برَّأ الله تعالى السيدة عائشة رضى الله عنها في القرآن الكريم من فوق سبع سموات، ومع كون غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع ليست من الغزوات الكبرى للرسول، ولم يكن فيها الصراع طويلا. 


ولا القتلى والشهداء كثيرا، إلا أن هذه الغزوة اكتسبت أهمية خاصة في السيرة النبوية لخطورة الآثار الخبيثة التي تسبب فيها المنافقون فمن بين المنافقين من رأى الانتصارات المتعددة والغنائم الكثيرة التي جاءت في السرايا والغزوات التي أعقبت الأحزاب، فقرروا الخروج مع المسلمين وفي هذه الغزوة قد تسببوا في أكثر من أزمة كادت كل واحدة منها أن تطيح بكيان الدولة الإسلامية، وصدق الله العظيم إذ يقول في حق المنافقين فى سورة التوبة ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ) وكان هذا عين ما حدث في غزوة بني المصطلق فقد تسببوا في مجموعة متتالية من الفتن فكما قال الله تعالى (وفيكم سماعون لهم) أي فيكم أيها المؤمنون الصادقون من يلتبس عليه الأمر فيشارك في الفتنة ويقع فيها، والحق أن الأزمات التي أثارها المنافقون في هذه الغزوة.


فكانت صراع قام بين المهاجرين والأنصار على السقاية من بئر من آبار المنطقة، وهذا الحدث نادر في السيرة ولعله الوحيد وكانت أزمة كبيرة كادت أن تتفاقم لولا حكمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في السيطرة عليها، وهي تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري الكناني على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده فنادى سنان يا للأنصار ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا، ثم نجمت عن هذه الفتنة فتنة أخرى خطيرة، وهي فتنة نداء المنافقين في أوساط الأنصار بأن يخرجوا المهاجرين من المدينة، وقال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته يعلق فيها على المهاجرين بقوله " والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول، سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل" 


وكانت أزمة خطيرة توشك أن تقضي على الأمة الإسلامية، ثم حدثت فتنة ثالثة شنيعة وهي حادثة الإفك، وفيه اتهم المنافقون السيدة عائشة رضى الله عنها بالفاحشة، وقد وقع بعض المؤمنين في الأمر، واتسع نطاق الأزمة حتى شمل المسلمين كلهم ما بين مدافع ومهاجم وما بين مبرئ ومتهم، ولم ينزل وحي في القضية إلا بعد شهر كامل حين نزل الوحي بتبرئة السيدة عائشة رضى الله عنها من التهمة الشنيعة التي أثارها المنافقون حولها، واشترك فيها بعض المؤمنين، وكانت حادثة الإفك هذا من أشد الأزمات التي مرت بالمسلمين، ليس في هذه الفترة فقط ولكن في كل فترات السيرة النبوية، وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الشهر وهو شعبان فى السنة السادسة للهجرة سريتين هامتين جدا، وكانت أحدهما بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدُومة الجندل على مسافة ضخمة جدا من المدينة المنورة، والأخرى إلى ديار بني سعد بفدك. 


والذين كانوا يعدون قوة للتعاون مع يهود خيبر لحرب المسلمين، وكانت هذه السرية الأخيرة بقيادة الإمام علي بن أبي طالب، وفي شهر رمضان بنفس السنة أرسل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سرية أخرى إلى بني فزارة في منطقة وادي القرى، وكان على رأسها أبو بكر الصديق أو زيد بن حارثة ، وكانت هناك امرأة تدعى أم قرفة قد أعدت فرقة من ثلاثين فارسا لاغتيال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد واجهت السرية الإسلامية هؤلاء الفرسان الثلاثين فقتل المشركون جميعا، وأم قرفة هي فاطمة بنت ربيعة بن بدر بن عمرو الفزارية وهى من قبيلة بني فزارة، وقد تزوجت مالك بن حذيفة بن بدر، وقد ولدت له ثلاثة عشر ولدا، وقيل ثلاثون ولدا، وكان أكبرهم قرفة وبه كنيت، وكان جميع أولادها من الرؤساء في قومهم، وكانت شاعرة من أعز العرب ممن يضرب بهم المثل في العزة والمنعة فيقال"أعز من أم قرفة" 


وإذا تشاجرت قبيلتها مع غطفان بعثت خمارها على رمح فيصطلحون، وكانت تؤلب الناس على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسل في السنة السادسة للهجرة زيدا بن حارثة في سرية فقتلها، إذ ربط رجيلها بحبل ثم ربطهما بين بعيرين حتى شقها شقا، وكانت عجوزا كبيرة، ثم حُمل رأسها إلى المدينة ليُعلم أنها قتلت، وإن كان هناك من يضعف خبر التمثيل بها مع الإقرار بِقتلها لكونها امرأة مقاتلة للمسلمين ومرتدة، وقيل أنها قبل ذلك كانت مسلمة فارتدت في غزوة أحد، وهي والدة أم زمل المعروفة بأم قرفة الصغرى، ثم ازداد نشاط المسلمين جدا في شهر شوال فى السنة السادسة أيضا، فأخرج الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثلاث سرايا خطيرة، أما الأولى فكانت إلى مجموعة من المشركين من قبائل عكل وعرينة، وكانوا أظهروا الإسلام ثم غدروا بأصحاب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقتلوا واحدا منهم وسرقوا كمية من الإبل. 


فأرسل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في أثرهم سرية بقيادة كرز بن جابر الفهري واستطاع الإمساك بهم وقتلهم، وتمكن من استرداد الإبل، وكرز بن جابر الفهري هو صحابي جليل، وقد أسلم بعد الهجرة النبوية الشريفة ، وقال ابن إسحاق أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في طلبه، حتى بلغ واديا يقال له سفوان ففاته كرز، وكانت هذه غزوة بدر الأولى، ثم أسلم كرز وحسن إسلامه، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجيش الذين بعثهم في أثر العرنيين الذين قتلوا راعيه في سرية كرز بن جابر الفهري، وقد استشهد كرز يوم فتح مكة وذلك سنة ثمان من الهجرة، وأما السرية الثانية في شهر شوال فكانت سرية بقيادة عبد الله بن رواحة وكانت مهمتها اغتيال اليُسير بن رزام، وهو أمير خيبر وهو من أكابر اليهود، وهو من الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر.



google-playkhamsatmostaqltradent