recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن غزوة دومة الجندل (الجزء الثالث)

 ماذا تعرف عن غزوة دومة الجندل (الجزء الثالث)



إعداد -محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثالث مع غزوة دومة الجندل وقد مثلت غزوة دومة الجندل درسا تربويا قويا ، حيث تدرب فيها المسلمون على العديد من الأشياء الصعبة، ومنها المسير إلى مسافات طويلة، وكأنهم يعدون أنفسهم لغزوات قادمة، وانتهت المعركة التي لم تبدأ بسبب خوف المشركين، فعاد المسلمون مرفوعي الرأس شديدي الهيبة، لا بد لهذا الجيل أن يتربى على الطاعة والانضباط للأمير أيا كان شأن هذا الأمير، وهذا يدل على عظمة المنهج النبوي الشريف في تربية الأمة والارتقاء بها، وعلى عظمة قيادة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وفراسته في أتباعه وثقته فيهم ومعرفته لمواهبهم، فهو صلى الله عليه وسلم على معرفة بكفاءة سباع بن عرفطة الغفاري وعبقريته وقدرته على الإدارة الحازمة، فكان صلى الله عليه وسلم يربِّي أصحابه وهو غائب عن المدينة، لكي يهيمن منهج رب العالمين على المسلمين.


ويصنع منها أمة واحدة تسمع وتطيع لكتاب ربها وسنة نبيها، وإذ ما كان لقائد عسكري ذي أهداف دنيوية، أن يغامر تلك المغامرة بالابتعاد عن بلده مسافة بعيدة جدا، تاركا مدينته وأهله ومُلكه معرضين لاحتمالات الأذى ممَن يترصدها من المنافقين والأعراب والمشركين واليهود، وفي حراسة شخص ليس من زعماء المدينة، ولا من كبار المهاجرين، فضلاً عن كونه من بني غفار، ولقد كان خلال السنين الخمس التي قضاها المسلمون في المدينة المنورة، تحققت العديد من النتائج المهمة، فقد تحدّدت معالم دولتهم الناشئة وتأسّست أركانها، وقد ظلت حركة الدعوة والتوجيه مستمرة بين القبائل طوال تلك المدة، في الوقت الذي أثبت المسلمون فيه كفاءتهم الحربية وقدراتهم العسكرية من خلال المعارك التي دارت بينهم وبين المشركين، حتى استطاعوا فرض سيطرتهم على المناطق المحيطة بهم، وكان في شهر ربيع الأول.

 


من السنة الخامسة للهجرة، وصلت الأخبار إلى المدينة بتجمع القبائل في تلك المنطقة، واستعدادهم لمحاربة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والقضاء على دولته، وهنا أحس النبي صلى الله عليه وسلم، ببوادر فتنة جديدة، فكان لابد من إطفائها من البداية قبل أن يعظم خطرها، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وحرّضهم على القتال في سبيل الله، مذكرا إياهم بما أعده الله تعالى للمؤمنين، فتجهزوا للغزو، حتى بلغ عددهم ألف مقاتل، وعيّن على المدينة رجلا لم يكن من أهلها، وهو سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه، وذلك لمعرفته صلى الله عليه وسلم، بكفاءته وقدرته على إدارة الأمور، ولتربية الصحابة على السمع والطاعة للأمير أياً كان شأنه ونسبه، وقد تحرك الجيش قاصدا دومة الجندل، ومستعينا بدليل ماهر يُقال له مذكور، وطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم، اختيار أسلم الطرق وأبعدها عن مراقبة العدو.


وتبدو عظمة القيادة النبوية الشريفة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، للجيش بالمسير طوال الليل، والتوقف في النهار، من أجل مفاجأة الأعداء وهم على حين غفلة، وقد فوجيء المشركون بخبر وصول المسلمين، وكان وقعه شديدا عليهم، فلم يكونوا يتصوّرون أن يبادرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم في الوقت الذي كانوا يخططون فيه لمهاجمة المدينة واستباحتها، فأصابهم الخوف الشديد، وبلغت قواهم المعنوية أدنى مستوى، مما دفعهم إلى الهروب تاركين وراءهم ديارهم وأمتعتهم، ولم يجد المسلمون فيها أحدا سوى عدد قليل من الرعاة مع ماشيتهم، فأصابوها غنيمة سهلة، ولكن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكتف بهذا النصر، بل بعث السرايا لتتبع القوم، وبقي الجيش هناك عدة أيامٍ ثم عاد إلى المدينة، وفي طريق عودته التقى عيينة بن حصن الفزاري بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه بأن يرعى غنمه وإبله في مناطق المسلمين فأذن له.


وهكذا نجح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في هذه الغزوة، واستطاع أن يحقق عددا من الأهداف المهمة، فإضافة إلى القضاء على شر أولئك الأعراب، وحماية المدينة من الأخطار المحتملة، كانت هذه الغزوة فرصة للاطلاع على طبيعة المناطق العربية في الشمال، ومعرفة المواطن التي يمكن أن تشكل تهديدا مستقبليّا، وكما أنها فرصة كذلك لحرمان قريش من أي جهة قد تمد لها يد العون والمساعدة لاحقا، إضافة إلى ما تحمله هذه المواجهة من رسالة واضحة إلى الروم بمدى قوة المسلمين وقدرتهم على المواجهة، فقد تحركت القوات الإسلامية بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو قبيلة قضاعة التي كانت تنزل شمال قبائل أسد وغطفان، وقضاعة قبيلة عربية قديمة اختلف النسابة في نسبها فنسبوهم لحمير ومنهم من نسبوهم إلى معد، وأما عن حمير، فهى مملكة قديمة نشأت في ظفار يريم وقد استطاعت. 


القضاء على ممالك اليمن القديم الأربعة وضمها وقبائلها في مملكة واحدة هي آخر مملكة يمنية قبل الإسلام وكانت لهم علاقة وثيقة بمملكة كندة عن طريق تحالف بينهم يعود للقرن الثاني قبل الميلاد، وإن الحميريون بالأصل هم قبائل سبئية اعتنقت الديانة اليهودية، وكانت تنتشر في مناطق ريمة، وتعز، وإب، وذمار، وأجزاء من صنعاء ومأرب، وعاصمتهم ظفار في محافظة إب، وأما عن معد بن عدنان، فهو الجد التاسع عشر للنبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكى الطبري وابن سعد أن معد بن عدنان كان يكنى أبا قضاعة، وقال البلاذري، كان يكنى أبا نزار، ويقال أنه يكنى أبا حيدة، والأشهر أنه كان يكنى أبا قضاعة، وقيل أن معد بن عدنان، هو من ذرية نبى الله إسماعيل بن نبى الله إبراهيم عليهما السلام، وهما من ولد سام بن نوح، ومعروف أن النسب فوق عدنان مختلف فيه وقد ذكره النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. 


في إشارة إلى قوله تعالى من سورة الفرقان (وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك ) غير أنه معروف لدى العرب أن الولد قد ينسب إلى جده فنقول عدنان بن إسماعيل أو من ولد إسماعيل رغم أن بينهما دهرا وأجيالا، وكانت دمة الجندل في حدود قبائل الغساسنة الموالين للدولة الرومية وهى بيزنطة، وكان من أهداف غزوة دومة الجندل وهو عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبأ وجود قوم في منطقة دومة الجندل يظلمون كل من يمر بهم ويحاولون الاقتراب من المدينة، قرر القيام بغزو تلك المنطقة، وكان لتلك الغزوة العديد من الأهداف، وهو القضاء على القبائل التي تقطع الطريق في دومة الجندل، وتأمين الطرق للمسلمين وللناس باتجاه الشمال أي بين المدينة المنورة وبلاد الشام، سواء من أجل القوافل التجارية أو غير ذلك، وتأمين المدينة المنورة من الجهة الشمالية من أي هجوم مباغت، والسيطرة على المنطقة العربية وبلوغ أقصى الحدود وبسط النفوذ على المنطقة، والعمل على نشر الإسلام في مناطق أوسع بعد أن استقر المسلمون في المدينة بعد غزوة بدر الآخرة.



google-playkhamsatmostaqltradent