recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

فرعون: إسم أم لقب ؟

فرعون: إسم أم لقب ؟



كتب - محمد عبد الواحد خطاب



كَثُرَ الحديث عن مصطلح «فرعون» , وتشكلت لنا بمرور الوقت فئتين أساسيتين


الأولى خرجت لنا بالعديد من النظريات التي لا تستند إلاّ على مجموعة من التكهنات كافتراض أن فرعون هو شخص خُصِّص له هذا المسمى وأنه ملك عاش في عصر الاضمحلال الثاني (حكم الهكسوس) أو عصر الاضمحلال الأول , أو حتى القول بأن هذا الملك كان من قبيلة آسيوية تُدعى "فرعا" , وصولاً بالرأي القائل أنه من "العماليق" أو أنه أساساً عطّار جاء من إيران وهلم جرا


وفي المقابل توجد فئة أخرى غالباً ما تُواجَه بالرفض والهجوم في الأوساط العربية فقط , وهي تلك الفئة التي تقول بأن كلمة فرعون ببساطة مصطلح ذو أصل مصري استُعمل للإشارة للملك في مصر القديمة بصيغ مختلفة باختلاف تحّور الكلمة في اللغات التي تبنّتها


فالسؤال هو: هل مصطلح «فرعون» لقب أم اسم لشخصية محدّدة ؟

نحن في هذا الصدد لن نلجأ إلاّ لنصوص تاريخية وسنبتعد عن النصوص الدينية ذات الطبيعة الغيبية وحتى لا نسبب خلافات عقائدية , وسنكتفي بما هو مُؤكد لدينا من النصوص القديمة

وحتى نوضح هذا الأمر سنقسّم الموضوع لـمحورين:

• أصل الكلمة وتطورها

• هل وردت في النصوص المصرية كإشارة للملك المصري ؟


المحور الأول: أصل الكلمة وتطورها

كلمة فرعون هي صيغة ساميّة لكلمة «پر-عا» المصرية والمعنى الحرفي لها هو البيت (پر) العظيم (عا) , وهو ما يبدو للوهلة الأولى أنه إشارةٌ لمقر حكم الملك المصري

نلاحظ أن الشعوب الساميّة استخدمت هذا المصطلح بصيغ متقاربة للإشارة إلى ملك مصر

نذكر منها مثلاً ورود هذا المصطلح في النصوص الآشورية (لغة أكدية) بهذه الصورة (پر عو)


إذاً فالنتيجة التي يمكننا التوصل لها حتى الآن هي أن «پر-عا» تم استعمالها كلقب , أي أنها ليست اسماً لشخص كما يُشاع


ونجد أيضاً المؤرخ الإغريقي هيرودوت يستعمل نفس المصطلح للإشارة لأحد الملوك المصريين في كتابه (تاريخ هيرودوت) , وورد بهذه الصيغة (Φερῶν) يُنطق (فيروين)


المحور الثاني: هل وردت في النصوص المصرية كإشارة للملك المصري ؟

هذا المحور يعد الأهم في هذا المقال , فنحن الآن علمنا أن الشعوب السامية استعملت هذا المصطلح بصيغة مختلفة قليلاً للإشارة لملك مصر , كما أنه انتقل للغة اليونانية أيضاً ولغات أخرى


ولكن هل استعمل المصريون أنفسهم هذا المصطلح للإشارة إلى ملوكهم ؟

مبدئياً كلمة «پر-عا» كانت موجودة وتم استعمالها بالفعل ولكن لم تكن الوحيدة وذلك لأن هناك عدّة مصطلحات كانت تؤدي نفس الغرض , منها مثلاً:

(نِسوت): معناها الحرفي , المنسوب للبردي -إشارة لمصر العليا-

(نِسوت بيتي): معناها الحرفي , المنسوب للبردي والنحل -إشارة للقطرين-


ولكن «پر-عا» وردت في نصوص مصرية مختلفة تعود لعصر الدولة الحديثة وما بعدها وأصبحت مع الوقت مستخدمة بشكل واضح للإشارة للملك , وهذه بعض المقتطفات: 


• نص من عصر الدولة الحديثة يقول صاحبه:"لم أغادر قصر الفرعون حتى أتى پانحسي"

ووردت جملة (قصر الفرعون) بهذا الشكل في النص الأصلي (پر پر-عا) , وهو ما يعنى أن «پر-عا» مُستخدمة بشكل واضح للإشارة إلى شخص الملك نفسه

وورد هذا المصطلح عدة مرّات في نصوص ديموطيقية أيضاً


• ونص آخر, يقول:

"فور أن يصلك خطاب الفرعون , سيدك"

وهنا ألحق كاتب النص بكلمة فرعون (پر-عا) مصطلح سيد (بالمصرية: نِب) , وهو ما يعني أن الفرعون هنا هو شخص وليس مبنى ولهذا أُعطيَ صفة بشرية وهي (السيد)


• نص آخر أيضاً يتحدث عن شخص يُدعى «هوي» قام بسرقة شيء من مقبرة الـ(فرعون) , ومن البديهي أن كلمة پر-عا هنا إشارة لشخص الملك الذي سُرقت مقبرته


• ومن مشاهد معركة قادش والصراع المصري-الحيثي , نجد نصاً يصف مشهداً على إحدى الجداريات ويقول:

"وصول كشافة (الفرعون) , يقتادون إثنين من كشافة الجيش الحيثي بحضور (الفرعون)"

وهنا ذُكرت (فرعون\پر-عا) كإشارة واضحة لشخص حضر هذه الأحداث


• من برديةٍ تُعرف باسم (موعد مع وِسر ماعت رع) مذكور بها:

"في الشهر الرابع من فصل الصيف للفرعون وِسر ماعت رع"

وهنا جاء مصطلح «پر-عا» ملازماً للقب التتويج الخاص بالملك , أي أن المصطلح هنا مرادف لكلمة (الملك) وأُلْحِقَ به لقب التتويج

ويجدر بالذكر أننا لا نعلم بالضبط من هو الملك المقصود في هذه البردية ولكنه على الأغلب أحد الملوك من الأسرات الـ19 حتى الـ25 (آخر من حمل هذا اللقب كان بعنخي الكوشي)


• نص آخر كُتب بالديموطيقية يعود لعصر بطليموس الرابع , ذكر إسم الملك بهذا الشكل (في السنة.... لـ الفرعون بطليموس)


• نص يُؤرّخ لعصر بطليموس السادس يقول:

"في السنة الـ13 , آخر يوم من شهر أبيب , توجه (الفرعون) مباشرةً لمنف"

ويقول أيضاً: "حيث كان من المناسب إعطاء الرسالة المذكورة أعلاه لـلـ(پر-عا) -الملك- , والـ(پر-عا.ت) -الملكة-"

وتأنيث الكلمة هنا لهو دليل دامغ على أنها يمكن أن تؤدي وظيفة مصطلح (ملك\ملكة)

والمقصودان هنا هما بطليموس السادس وكليوباترا الثانية


• نص ديموطيقي يقول: "طهر الفرعون نفسه للاحتفال"


كل هذه النصوص أعلاه ورد فيها مصطلح «پر-عا» كإشارة للملك نفسه وليس قصر الحكم (على عكس المعنى الحرفي للكلمة).


مع حلول عصر الاضمحلال الثالث ومنذ عهد الأسرة الـ21 وبالتحديد في عهد الملك (سي-آمون) بدأ مصطلح «پر-عا» يُستعمل بشكل رسمي للإشارة للملك المصري وظلّ يستخدم على هذا النحو حتى نهاية الحضارة تقريباً


كما أن كلمة «پر-عا» تطورت في المرحلة القبطية لتصبح «پيروي\Ⲡⲉⲣⲟⲓ»

ووردت تركيبة (پر پرعا) سالفة الذكر في المرحلة القبطية أيضاً بهذه الصيغة (پِري پيروي\ Ⲡⲉⲣⲓⲡⲉⲣⲟⲓ) وهي بنفس المعنى (قصر الفرعون)

وهو ما يؤكد على إستمرارية إستخدام الكلمة والتأكيد على أنها إشارة للملك


إذاً فالنتائج النهائية كالتالي:

• كلمة فرعون صيغة ساميّة لـ«پر-عا» المصرية , وهو مصطلح اُستعمل للإشارة لملك مصر وليس اسماً لشخص محدد

• استعملت عدّة شعوب هذا المصطلح بصيغ مختلفة للإشارة لملك مصر

• استعمل المصريون أنفسهم هذا المصطلح للإشارة لملوكهم وتطور فيما بعد


فببساطة استخدام مصطلح (فرعون\فراعنة) للإشارة لحاكم\حكام مصر ليس خطأً سواءً على المستوى اللغوي أو حتى التاريخي (على الأقل في فترة الدولة الحديثة وما بعدها) , لأن الكلمة في الأساس مصرية وكانت مستعملة في نصوص مصرية وغير مصرية للإشارة لحاكم مصر

كما أننا وضحنا من النصوص المصرية نفسها بشكل قاطع أن (فرعون) لقب لعدّة أشخاص وليس اسماً لشخصية محددة


النقطة الأخيرة التي تتطلب التوضيح وهي أن مصطلح (فراعنة) يُمكن إطلاقه على الملوك فقط ولن يتعدى ذلك

فلا يمكننا أن نطلق على الشعب "فراعنة" لأن المحكوم لا يأخذ صفة الحاكم

ولا يمكن تسميتها حضارة فرعونية لنفس السبب , فنحن نقول مثلاً حضارة رومانية وليس "قيصرية" , فباختصار كلمة (فراعنة) مقتصرة فقط على الملوك

ولو كان هناك (فرعون) سيء فلا يمكن لنا تعميم ظلمه على بقية الفراعنة , فهذا أمر ينافي المنطق.



google-playkhamsatmostaqltradent