تحليل.. لماذا يربط ملك الأردن موقف بلاده تجاه غزة بالخطة المصرية؟
بقلم: حسن سليم
جاء تصريح الملك حول انتظاره لخطة مصر بشأن غزة ليكشف عن عدة أبعاد استراتيجية تتعلق بالموقف الأردني من القضية، ومدى تأثره بالضغوط الإقليمية والدولية. في هذا التحليل، سنسلط الضوء على دلالات تصريحات الملك، وما تعكسه من توازنات سياسية وتحفظات أردنية على بعض الطروحات الأمريكية والإسرائيلية.
لطالما تبنى الأردن موقفًا داعمًا للحقوق الفلسطينية، قائمًا على حل الدولتين ورفض أي محاولات لفرض حلول تتجاهل مطالب الفلسطينيين. ويعود هذا إلى اعتبارات عدة، أبرزها أن الأردن يحتضن نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، كما أن له وصاية تاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وبالتالي، فإن أي تغييرات جوهرية على الوضع الفلسطيني تنعكس بشكل مباشر على الأردن، سواء سياسيًا أو أمنيًا أو حتى ديموغرافيًا.
في هذا السياق، فإن تصريح الملك عبدالله بأن بلاده "تنتظر خطة مصر بشأن غزة" يحمل دلالة على حرص الأردن على عدم الدخول في أي مسار غير محسوب العواقب، وهو ما يمكن تفسيره بعدة أوجه:
1. الحرص على التنسيق العربي فالأردن يدرك أن مصر تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة الملف الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بقطاع غزة، نظرًا لعلاقاتها الأمنية والسياسية مع مختلف الفصائل الفلسطينية، وبالتالي فهو يفضل التنسيق معها قبل الإعلان عن أي موقف نهائي.
2. التوجس من الطروحات الأمريكية والإسرائيلية، فحديث الملك عن "مصلحة الأردن" عند سؤاله عن إمكانية استضافة الفلسطينيين على أراضٍ أردنية يعكس رفضًا ضمنيًا لأي مشاريع تتعلق بتوطين الفلسطينيين، وهو أمر ترفضه عمّان بشدة.
3. محاولة تجنب الضغوط المباشرة، فيبدو أن الملك يحاول منح بلاده مساحة للمناورة، من خلال عدم إعلان موقف صريح قبل معرفة طبيعة الطرح المصري، وهو ما يتيح له مرونة أكبر في التعاطي مع المقترحات المختلفة.
وتحمل زيارة العاهل الأردني إلى الولايات المتحدة في هذا التوقيت دلالات عديدة، خاصة أنها تتزامن مع تصريحات مثيرة للجدل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، والتي أكد فيها أن الفلسطينيين "سيعيشون بأمان في مكان آخر غير غزة"، وهو ما يعيد للأذهان مشاريع قديمة تتحدث عن تهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة، من بينها الأردن.
لكن الموقف الأردني يواجه معادلة معقدة؛ فمن ناحية، يحتاج الأردن إلى دعم أمريكي اقتصادي وسياسي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهه، ومن ناحية أخرى، فإنه لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي تمس أمنه القومي وتركيبته السكانية.
وجاء تصريح الملك عبدالله حول "انتظار خطة مصر" كرد دبلوماسي محسوب، فهو لم يعلن تأييدًا صريحًا لأي مقترح، لكنه في الوقت نفسه لم يرفض الطروحات بشكل مباشر، وهو أسلوب سياسي يستخدم غالبًا في القضايا الحساسة لمنح مساحة للتفاوض والمناورة.
وهناك ثلاثة احتمالات رئيسية تفسر هذا التصريح:
1. رفض ضمني لأي حلول تستهدف تهجير الفلسطينيين لأن الملك يدرك أن أي خطة مصرية لن تتضمن مشاريع لتوطين الفلسطينيين في الأردن، وبالتالي فإن ربط الموقف الأردني بالخطة المصرية يمنحه غطاءً سياسيًا لرفض أي مقترحات قد تؤدي إلى تغييرات ديموغرافية في الأردن.
2. محاولة لشراء الوقت، فالأردن في وضع دقيق للغاية، حيث يتعامل مع إدارة أمريكية تتبنى سياسات غير تقليدية في التعامل مع الملف الفلسطيني، وبالتالي فإن الانتظار حتى تتضح ملامح الموقف المصري يمكن أن يكون وسيلة لتجنب اتخاذ موقف قد يترتب عليه تداعيات غير مرغوبة.
3. التوازن بين الداخل والخارج، فداخليًا، يواجه الملك ضغوطًا من الشارع الأردني ومن القوى السياسية المعارضة لأي حلول تتضمن توطين الفلسطينيين أو المساس بحق العودة، بينما خارجيًا، فهو لا يريد خسارة الدعم الأمريكي أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الأردن يتعامل بحذر شديد مع المرحلة الحالية، في ظل تزايد الضغوط الإقليمية والدولية. فإسرائيل ترغب في إعادة رسم خريطة قطاع غزة بعد الصراع الأخير، في حين أن الإدارة الأمريكية تبحث عن حلول ترضي حلفاءها دون الدخول في مسارات طويلة ومعقدة.
في المقابل، فإن الأردن يواجه معضلة تتمثل في تجنب أي مقترحات تمس تركيبته السكانية، والمحافظة على علاقاته الجيدة مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، والتنسيق مع الدول العربية الكبرى، مثل مصر والسعودية، لضمان موقف موحد.
ويمكن اعتبار تصريح الملك عبدالله الثاني حول انتظار خطة مصر بمثابة رسالة سياسية تعكس الموقف الحذر الذي تتبناه بلاده، وهو موقف يسعى إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على المصالح الأردنية وبين التعامل مع الضغوط الدولية.
ومن الواضح أن الأردن لن يقبل بأي مقترحات تفرض عليه أعباءً جديدة تتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنه في الوقت نفسه لا يريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الأطراف الفاعلة. لذا، فإن انتظار الطرح المصري يمنحه هامشًا للمناورة، ويتيح له صياغة موقفه استنادًا إلى إجماع عربي، بدلًا من تحمل تبعات قرارات أحادية قد تكون مكلفة على المستويين الداخلي والخارجي.
