جهاز التشويش ضرورة ملحة لمواجهة الغش في الامتحانات
بقلم الدكتور: فوزي الفنيدي
قسم القانون العام – الإداري والدستوري
كلية الحقوق – جامعة جنوب الوادي بقنا
تشهد لجان امتحانات الثانوية العامة عامًا بعد عام مشاهد تكررت حتى باتت مأساة حقيقية تهدد مصداقية العملية التعليمية، إذ لم يعد الغش مجرد تصرف فردي بل تطور إلى ظاهرة ممنهجة تستخدم فيها وسائل تكنولوجية متقدمة، في مقدمتها السماعات اللاسلكية الدقيقة التي استدعت تدخل أطباء الأنف والأذن لاستخراجها من آذان بعض الطلاب.
الضغوط النفسية التي يعيشها الطالب في فترة الامتحانات قد تكون مبررًا لفهم مشاعره، لكنها لا تبرر بأي حال من الأحوال سلوك الغش. فالحقيقة الثابتة أن من ينجح بالغش لا يبني سوى مستقبل زائف يستند إلى الضعف، بينما يقع من يُضبط متلبسًا في فخ العقوبات التي قد تمتد آثارها لتدمير مستقبله بالكامل.
ورغم تعدد أساليب الغش، فإن التكنولوجيا كانت القاسم المشترك في معظمها، بدءًا من سماعات النانو اللاسلكية، مرورًا بالسماعات السلكية التقليدية، والهواتف المحمولة، وصولًا إلى الورق المصغر، وهو ما يعكس تحول الغش إلى صناعة يديرها البعض لتحقيق مكاسب وهمية على حساب القيم والمبادئ.
الجانب الأخطر في المشهد هو صعوبة المواجهة، خاصة في ظل وجود معوقات حقيقية في عمليات التفتيش داخل اللجان، سواء لأسباب تتعلق بالفروق بين الجنسين أو التخوف من إثارة المشكلات. كما أن الضوضاء الناتجة عن التفتيش تزعج الطلاب الملتزمين الذين يستحقون بيئة هادئة تساعدهم على التركيز.
من هنا، تبرز الحاجة الملحة لتفعيل دور أجهزة التشويش، وهي أدوات قادرة على قطع الاتصالات اللاسلكية في محيط معين، وقد أثبتت كفاءتها في العديد من الجامعات المصرية التي نجحت من خلالها في تقليص حالات الغش بشكل ملموس.
الغريب أن هذه الأجهزة لم تُستخدم حتى الآن في امتحانات الثانوية العامة رغم أن أرقامًا صادمة تؤكد حجم الكارثة، إذ تم ضبط أكثر من 500 سماعة غش في فصل دراسي واحد بإحدى الكليات، فيما تجاوزت نسبة الرسوب في بعض كليات الطب 75% نتيجة اعتماد الطلاب على الغش.
الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من وزارة التربية والتعليم والجامعات والجهات المعنية لاعتماد أجهزة التشويش كوسيلة وقائية، تحفظ نزاهة الامتحانات وتحمي المراقبين من المواجهات المباشرة، وتوفر بيئة آمنة للطالب المجتهد ليؤدي امتحانه بعيدًا عن التوتر أو الشعور بالظلم.
الغاية ليست فقط منع الغش، بل إعادة الاعتبار لقيمة التعليم، وترسيخ مبدأ أن النجاح الحقيقي لا يُشترى بسماعة، بل يُنتزع بالجهد والاجتهاد. نريد جيلًا يتسلح بالعلم لا بالخداع، بالمعلومة لا بالمساعدة الخارجية، فهكذا تُبنى الأوطان وتُصان كرامة الإنسان.
