سعادة العالم بين الوهم والحقيقة BDF
بقلم: د. خالد البليسي
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتتعاظم فيه الضغوط المعيشية والنفسية، أصبح الحديث عن "السعادة" من أكثر المواضيع تداولاً بين الناس، وكأنها الكنز المفقود في عالمٍ مضطرب. لكن، هل نحن نبحث عن السعادة الحقيقية؟ أم أننا نلهث خلف أوهام تُسوّق لنا على أنها السعادة؟
لقد تحولت السعادة في نظر الكثيرين إلى صور براقة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو رفاهية مادية لا حدود لها، أو حتى شهرة زائفة تُغني عن الجوهر. نُقنع أنفسنا بأن امتلاك المال أو السفر أو امتلاك أحدث الأجهزة سيمنحنا الطمأنينة والرضا، بينما الحقيقة تقول إن أغلب من بلغوا هذه "القمة" يعانون من القلق والاكتئاب والشعور بالفراغ.
ان العالم اليوم محروم من السعادة محروم من نعمة الأمن والأمان على الرغم من كثرة الوسائل الأمنية المذهلة التى اخترعها العالم لحمايته وأمنه واستقراره بل لقد تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها التى اخترعها العالم لامنه واستقراره من طائرات ودبابات وصواريخ وقنابل تحولت إلى وسائل رعب وهلاك ودمار وفزع وتعالت الأصوات هنا وهناك ونادى المفكرون والأدباء والسياسيين لنزع هذه الوسائل.
والعالم اليوم محروم من الرخاء الاقتصادي على الرغم من كثرة الأموال والبنوك والأسواق وعلى الرغم من اتساع الصحراء وكثرة الحدائق الغناء حرم العالم من الرخاء الاقتصادي وأصبحت البشرية تعانى من الفقر والجوع بل وهناك الملائم اليوم من البشر من يموت جوعا ومنهم من يعيش بين الجبال ويسكن المقابر.
والعالم اليوم محروم أيضا من الطمأنينة والراحة النفسية والسعادة القلبيه وانتشرت الأمراض والقلق والاكتئاب على الرغم من كثرة العلاجات التى يبتكر ويخترع منها كل يوم وعلى الرغم من كثرة العيادات والمستشفيات والادويه إلا أن العالم حرم من طمأنينة القلب وراحة البال وسعادة النفس.
والنفس البشرية إن لم تشعر براحة البال وطمأنينة النفس وسعادة القلب وانشراح الصدر لا تهنأ بثوب ولو كان جميلا ولا تسعد بسيارة ولو كانت فارهه ولا تفرح بمال ولو كان وفيرا.
حرم العالم من نعمة الأمن والأمان وحرم من نعمة الرخاء الاقتصادي ومن نعمة الطمأنينة النفسية والسعادة القلبيه وكل ذلك يتلخص فى آية واحده
قال تعالى:
( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ).
السعادة الحقيقية فى الايمان بالله ربا و بالاسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
السعادة الحقيقية فى اليقين بالله والثقه فى الله سبحانه والاذعان والخضوع لحكمه وشرعه والسير على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
السعادة الحقيقية فى طاعة الله وعبادته وتوحيده.
إن السعادة الحقيقية لا تُشترى ولا تُهدى، بل تُصنع من الداخل. إنّها نتاج الإيمان، والرضا، والعلاقات الإنسانية الصادقة، والاتزان بين متطلبات الجسد والروح. ولعل أعظم ما قيل في هذا: "من بات آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا".
ويؤكد علماء النفس الحديث أن السعادة ترتبط بشكل وثيق بقدرة الإنسان على التكيف، وتقديره لما يملك، وتبنيه لنمط حياة متوازن. كما تُظهر الدراسات أن من يملكون أهدافًا سامية، ويسعون في خدمة غيرهم، هم أكثر الناس سعادة واستقرارًا نفسيًا.
أما على صعيد المجتمعات، فإن دول العالم رغم تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي، تواجه موجات من الاكتئاب والعزلة، ما يضعنا أمام سؤال عميق: هل السعادة في الرفاهية أم في القيم؟
السعادة ليست هدفًا نصل إليه، بل أسلوب حياة نعيشه. هي في نظرة رضا، وفي دعاء أم، وفي قناعة قلب. بين وهم الدعاية والحقيقة التي تخبرنا بها الفطرة والروح، نكتشف أن السعادة أقرب مما نظن، لكنها تحتاج إلى بصيرة، لا إلى بصر.
