عصافير جهنم BDF
بقلم: حسين الحانوتي
في اللغة العامية المصرية، يُطلق لفظ "عصفورة" على الشخص الذي ينقل الكلام بين الناس، سواء كان هذا النقل سلبيًا بنقل صورة مشوهة عن الآخرين، أو إيجابيًا بنقل الكلام كما قيل دون تحريف. إلا أن طبيعة "العصفرة" – أي مهنة أو عادة نقل الكلام – في جوهرها لا تحمل براءة النية التي يتظاهر بها من يمتهنها. فالعصفور غالبًا لا ينقل الكلام حبًا في من ينقل إليه، بل بدافع المصلحة الشخصية، محاولًا أن يبدو أمام الناس أمينًا وناصحًا، بينما يخفي في نفسه رغبة في إثبات مكانته والتقرب من أصحاب الشأن، وكأنما يحمل رسالة وطنية لا يؤديها إلا "الناقل المخلص". لكن الحقيقة أن هذه الممارسة ما هي إلا وجه من أوجه الغيبة، والبهتان، والإفك، والوقيعة بين الناس.
فالغيبة تعني ذكر ما يكره الإنسان في غيابه، حتى وإن كان فيه، أما البهتان فهو اتهام بما ليس فيه، والإفك هو الكذب المتعمد في حقه، وقد أجمع العلماء على حرمة الغيبة، لقوله تعالى:
**"وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"**.
وقد ورد عن رسول الله ﷺ توضيح الفرق بين الغيبة والبهتان حين سُئل: "أرأيت إن كان فيه ما أقول؟"، فقال ﷺ:
"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
إن "العصفرة" ليست إلا طريقًا معبدًا إلى جهنم، فآثارها السلبية تتعدى الفرد إلى المجتمع بأسره، إذ تؤدي إلى تدمير العلاقات الإنسانية، ونشر الفتن، وزرع الشكوك بين الناس، وكلها أفعال تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، وتتنافى مع المبادئ الأخلاقية التي دعا إليها النبي ﷺ.
من يمتهن "العصفرة" لمصالحه الشخصية، متجنيًا على حقوق الآخرين، هو في حقيقة الأمر مفلس يوم القيامة، فقد جمع من السيئات ما يزيد عن حسناته، وظلم وأهان الناس، فيُؤخذ من حسناته لصالح من ظلمهم، حتى تنفد، فيُطرح في النار – والعياذ بالله.
أما في الدنيا، فغالبًا ما ينفض الناس من حول "العصفور"، ويزهدون في الحديث معه، ويفقد ثقتهم واحترامهم، ويظل منبوذًا لا يُنظر إليه إلا حين يعفو عنه من اغتابهم، وقد أثبت على نفسه دناءة الطبع، وجبن النفس، وضعف الشخصية، بل وأشعل نار البغضاء والعداوة بين المتحابين.
في جوهرها، "العصفرة" ليست إلا نوعًا من التجسس، وتتبع عورات الناس، ونقل الأخبار – سواء كانت صحيحة أو مفبركة – مما يؤدي إلى الأذى، والنفور، والخصومة. ومن امتهن هذا السلوك، فهو في الغالب يعاني من اضطراب نفسي، يتوهم فيه أنه أذكى الناس، وأنه يمتلك مفاتيح النجاة لمن يسعى لتدميرهم بنقله للحديث عنهم. والحقيقة أنه لو أُتيح له أن يرى نفسه من منظور الآخرين، لعلم أنه يحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي، لأنه انحرف عن قيم الأصالة، وعن الأعراف المجتمعية، بل ابتعد عن الدين نفسه.
إن هذه المهنة القبيحة لا تنتهي إلا إلى جهنم، وبئس المصير.
