رغم أزمة سد النهضة.. مصر قادرة على تجاوز التحديات وحماية أمنها المائي BDF
بقلم: فواز النمر
رغم ما يشهده ملف سد النهضة الإثيوبي من تعقيدات وتحديات مستمرة، تواصل الدولة المصرية، قيادة وحكومة وشعبًا، التمسك بحقوقها التاريخية في مياه النيل، والاعتماد على أدوات السياسة والدبلوماسية والمفاوضات لحماية أمنها المائي، مع التأكيد الدائم على قدرتها في إدارة هذا الملف المصيري بحكمة وصلابة، دون التفريط في أي حق من حقوقها المشروعة.
لطالما كان نهر النيل شريان الحياة لمصر، وهو المصدر الرئيسي للمياه العذبة التي تعتمد عليها البلاد بنسبة تتجاوز 97%. ومن هذا المنطلق، فإن بناء سد النهضة من جانب إثيوبيا دون اتفاق ملزم وعادل بشأن ملء وتشغيل السد، يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن المائي المصري، بل ويضرب بعرض الحائط قواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.
ورغم ما يثيره هذا الملف من قلق مشروع داخل الأوساط المصرية، إلا أن الدولة المصرية أثبتت قدرتها على التعامل مع الأزمة بمنتهى الحكمة والمسؤولية. فقد خاضت مصر جولات متواصلة من التفاوض مع كل من السودان وإثيوبيا، برعاية دولية وإقليمية، سعيًا للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح الدول الثلاث دون الإضرار بأي طرف. وفي كل مرة، كانت القاهرة حريصة على أن تُظهر التزامها بمبادئ الحوار والسلم وعدم التصعيد، إدراكًا منها لأهمية الاستقرار في المنطقة.
وفي الوقت ذاته، لم تغفل الدولة المصرية عن اتخاذ إجراءات حاسمة لتعزيز أمنها المائي داخليًا. فقد ضخت استثمارات ضخمة في مشروعات تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتحديث نظم الري، وتطوير البنية التحتية المائية بشكل غير مسبوق. كما أطلقت الدولة برامج توعوية لترشيد استهلاك المياه وتشجيع الزراعة الذكية التي تعتمد على أقل كميات ممكنة من المياه.
كل هذه الجهود تؤكد أن مصر لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الأزمة، بل تخوض معركة الدفاع عن مياهها على جميع الجبهات، من خلال التخطيط العلمي والقرارات الاستراتيجية والمواقف الدبلوماسية المتزنة. ويُحسب للقيادة السياسية أنها أدارت هذا الملف بكل حكمة، وأكدت في أكثر من مناسبة أن النيل خط أحمر، وأن المساس بحقوق مصر المائية لن يُسمح به تحت أي ظرف.
ورغم أن أزمة سد النهضة لا تزال قائمة، فإن ما يُطمئن الشارع المصري أن هناك مؤسسات قوية تدير هذا الملف، ودولة تضع في مقدمة أولوياتها أمن المواطن وحقوقه. إن ما تمتلكه مصر من إرث حضاري ومكانة إقليمية، وقيادة واعية، يجعلها قادرة ليس فقط على الصمود، بل على تجاوز هذه الأزمة بحلول عادلة تحفظ الحقوق وتمنع التصعيد.
وفي النهاية، يظل الأمل معقودًا على أن تنتصر لغة العقل والحوار، وأن تدرك إثيوبيا أن التعاون هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار في المنطقة. أما مصر، فكما واجهت تحديات كبرى عبر تاريخها، ستبقى قادرة على تجاوز أزمة سد النهضة، مستندة إلى وحدة شعبها وصلابة موقفها ومرونة استراتيجيتها.
