علي محمد الشرفاء الحمادي: الحج كما أنزله الله لا كما باعه الكهنة – لبيك اللهم لا رياء بل عودة إلى النقاء
كتبت - آية معتز صلاح الدين
لبيك اللهم لبيك، نداء يشع في الأرواح ويخشع له القلوب، لكنه اليوم تحوّل إلى زحام يركض نحو الحجر، وتحولت رحلة المحبة والروح إلى طقوس متكلّفة، ورمي الجمرات بات عرضًا بلا معنى. الحج كما أنزله الله هو نداء للتوحيد، دعوة للتجرد، ورسالة للتنوير لا مجرد تكرار أعمى.
في يوم عرفات، يقف الحجاج يؤدون عبادة تحرر العقل ولا تقيد الجسد، يستجيبون لنداء إلهي يتطلب القلب والفهم، لا الأقدام فقط. مع ذلك، تباعدت القلوب، وتحولت الرحلة إلى استعراض اجتماعي يرهق النفوس، يرافقه صفقات باسم الغفران.
هل حان الوقت لنفض غبار التلقين والعودة إلى جوهر الفريضة كما أنزلها الله؟ لنكشف الستار عن رحلة تحررنا لا تقيدنا، ونخلع أثقال الحج ونعيد له هويته كما أرادها الخالق، لا كما صاغها فقهاء التقاليد.
يقدم المفكر علي الشرفاء مشروعًا تنويريًا ورؤية تصحيحية نحو حج نقي من التكلف، معيدًا تعريف علاقة الإنسان بفرائضه، مؤكدًا أن الحج عبادة مشروطة بالاستطاعة والرحمة لا بالإجبار والفتاوى القاسية التي لا تراعي قدرات الناس.
يشرح الشرفاء أن الحج تربية للنفس، تطهير للقلب، تدريب على التحكم في الشهوات، حصانة من إغواء الشيطان بالتمسك بأخلاق القرآن وسيرة الرسول كما في آيات الرحمن. الحج هو تدريب على التعاون، وكظم الغيظ، والعفو، وتهذيب النفس، وتأكيد العهد مع الله بالتمسك بشرعه الذي يضمن الرحمة والعدل.
الله لم يكلف الإنسان ما لا يطيق، فالمريض والفقير معفوان، قال تعالى يريد الله لكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. هذه الرحمة الإلهية تهيئ الإنسان لعبادة خالية من المشقة.
ويتساءل الشرفاء: أين في كتاب الله تقديس الحجر؟ وأين فرض رمي الجمرات؟ من أين جاءت هذه الطقوس؟ هل هي وحي من الله أم ميراث ثقيل بالإسرائيليات والظنون؟ كيف نردد لبيك اللهم لبيك ثم نركض لتقبيل حجر يُداس؟ أي تناقض بين التوحيد والشرك؟
يدعو الشرفاء الأمة إلى مراجعة جوهر الإيمان، فالتقديس والطقوس المضافة ليست من هدي الله، بل افتراء ضاع عبر العصور بمشاركة فقهاء ومفسرين، حتى تحولت بعض مناسك الحج إلى طقوس مسرحية بلا روح.
دفنت العقول والعمائم الرسالة تحت ركام التأويلات والبدع، فخمد النور وعلت أصوات الزيف، فظهر جيل يعبد الشكل وينسى الجوهر، يقدس الرماد وينسى النور. وعندئذ استأسد الشيطان وساق الناس إلى عبث يبرر الجهل ويخيف من السؤال. المؤمن الحق لا يطمئن إلا بسؤال وفهم ويقين، لا بالتقليد الأعمى.
الحج رحلة نورانية أرادها الله تحريرًا من أسر الهوى والرياء، لكنها تحولت إلى مشقة وطقوس معقدة، موسم تُباع فيه الغفرانات وتُستبدل نداءات الرحمن بنداءات السوق والمظاهر.
ينادي الشرفاء الأمة لخلع غبار الموروث وإزالة الستار عن الحقيقة كما أنزلها الله، لا كما صاغها المفسرون والبائعون باسم الدين، فالقرآن وحده يكشف مقاصد الحج الكبرى بعيدًا عن الرواسب الفقهية التي أغرقت العبادة في التعقيد والتنطع.
الحج في جوهره القرآني ليس طقسًا جماهيريًا، بل رحلة داخلية تجرد الإنسان من كبريائه وتلبسه تواضع الطاعة لله، حيث يتساوى الجميع بلباس أبيض بسيط لا فضل فيه لعربي على أعجمي ولا غني على فقير، قال تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا. إنها دعوة مشروطة بالاستطاعة، لا إلحاح اجتماعي أو تأنيب ضمير.
المؤلم أن كثيرًا من الشعائر اليوم غريبة عن جوهر الخطاب الإلهي، فالناس تُحمل ما لا تطيق، وتُساق إلى تكاليف بدافع الرياء الاجتماعي، ويحاسبون على فرائض لم تُفرض أصلاً. التدين الموسمي مجرد قشرة تفتقر لليقين، كيف تتحول الفريضة إلى طريق للوجاهة وليس للنجاة؟ موسم للصور لا للغفران؟
لذا يدعو الشرفاء إلى فك الارتباط بين العبادة والاستغلال، فالحاجة اليوم لثورة روحية تحمل الآية لا السيف، تبدأ بالتحرر من أسر الفتاوى المتراكمة والعودة إلى القرآن كمصدر وحيد لفهم الحج كنداء للسكينة والتقوى، لا كموسم تجاري يديره المال والسلطة. فالله لم يجعل الحج وسيلة للتفاخر أو منصة صراع، بل موعدًا لخلع الأنا وتحقيق التقوى والانعتاق من عبودية البشر.
الشرفاء لا يكتفي بالنظرية، بل يطرح منهجًا عمليًا يقوم على قراءة القرآن دون وسطاء، والتمييز بين الثابت والمتغير، ورفض تحميل الفريضة دلالات شكلية تفرغها من مضمونها، ومواجهة الاستغلال السياسي والديني للشعائر المقدسة.
يكشف أن التشدد في الفتاوى كإلزام الفقراء بالأضحية أو التضحية بدجاجة لتسكين الضمير ليس من الله، فهو الرحيم الذي يقول لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. هذه الآية كفيلة بإسقاط كثير من الفتاوى القاسية التي شقت على الناس، ويذكر أن الله لا يريد أن يثقلنا بل يرحمنا، ففرق دقيق بين الاستقامة التي أمرنا الله بها، والطاعة التي نشق بها على أنفسنا دون أمر منه. الحج الحقيقي لا يؤدى بالأقدام فقط بل بالقلوب أيضًا.
الحج ليس مجرد رحلة إلى البيت العتيق، بل هو رحلة إلى الذات، ووقفة مع النفس، وتحرير للعقل من أصنام التقاليد. يُقرأ في القرآن لا في دفاتر الفقه، يُفهم بروح الرحمة لا بعصا التشدد، ويُمارس بالإخلاص لا بالاستعراض. من أراد الحج بحق فليحج بقلبه قبل قدميه، ويلبس لباس التواضع قبل الإحرام، ويرفع نداء التوحيد من أعماق وجدانه:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، نداء لا يقبل الزيف، يسمعه قلب وعقل تحرر من كتب التراث. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
