recent
أخبار ساخنة

المخدرات والضغوط النفسية: حين يتحول البيت من سكن ومودة إلى ساحة دماء BDF

 

التربية الأخلاقية في المدارس شيء غاية في الأهمية BDF

المخدرات والضغوط النفسية: حين يتحول البيت من سكن ومودة إلى ساحة دماء BDF


بقلم: د. خالد البليسى


لم يعد خبر قتل زوجة أو أطفال على يد رب الأسرة مجرد واقعة فردية تثير صدمة عابرة ثم تختفي من ذاكرة الناس، بل صار مشهداً متكرراً ينذر بخطر يهدد المجتمع في جذوره. ففي نبروه بالدقهلية، استفاق الأهالي على جريمة بشعة حين أقدم أب على قتل زوجته وأطفاله الثلاثة بدم بارد، وقبل أن تهدأ النفوس أعادت بلقاس المشهد المؤلم حين ذبح زوج زوجته وسط دهشة الجميع. هذه الحوادث المروعة تكشف عن خلل عميق سببه إدمان المخدرات وضغوط الحياة النفسية والاقتصادية التي تنفجر على شكل جرائم أسرية غير مسبوقة.


المخدرات في حقيقتها ليست مجرد مادة تذهب العقل مؤقتاً، بل هي طريق للهلاك، تسلب من الإنسان وعيه ورحمته، وتحيله إلى آلة للبطش لا تعرف سوى العنف. وما يزيد الأمر سوءاً أن الضغوط النفسية والاجتماعية، مع غياب الدعم والاحتواء، تجعل المدمن قنبلة موقوتة داخل بيته، ينفجر غضبه في أقرب الناس إليه، لتتحول الأسرة التي أرادها الله سكناً ومودة إلى مسرح دماء ودموع.


إن آثار هذه الظاهرة لا تقتصر على الضحايا المباشرين، بل تمتد إلى المجتمع كله. الأطفال الناجون من هذه الجرائم يعيشون صدمات نفسية قد تلازمهم العمر كله، والزوجات اللواتي يتعرضن للعنف المستمر يفقدن الشعور بالأمان، والبيت يفقد قدسيته وهيبته. أما المجتمع فيتحول شيئاً فشيئاً إلى ساحة خوف وقلق، تضعف فيها روابط الثقة، وتكثر فيها مشاعر الكراهية والانتقام.


ومن الناحية الدينية، فإن الإسلام حرم المخدرات تحريماً قاطعاً لأنها تذهب العقل وتفسد الفطرة، وقد قال النبي ﷺ: «كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام» (رواه مسلم). والعقل هو مناط التكليف الذي به يعبد الإنسان ربه ويميز بين الخير والشر، فإذا غاب بفعل السموم غاب معه الضمير. أما العنف ضد الزوجة والأبناء فهو جريمة دينية قبل أن يكون جريمة إنسانية، فقد قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:19]، وقال أيضاً: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام:151]. فكيف يجرؤ عاقل أن يقتل من أمره الله أن يحفظهم ويرعاهم؟


أما من الناحية القانونية والاجتماعية، فإن جرائم القتل الأسري الناتجة عن التعاطي أو الانهيار النفسي تعكس ضرورة مراجعة المنظومة كلها. فالقوانين وحدها لا تكفي إذا لم تُدعّم ببرامج علاجية وإعادة تأهيل للمدمنين، وبآليات دعم نفسي متاحة للشباب والأسر التي تعيش ضغوطاً متزايدة. كما أن هناك حاجة ملحة إلى دور أكبر للمجتمع المدني والمساجد والمدارس والإعلام، في نشر ثقافة الوعي بخطر المخدرات، وتغيير الصورة النمطية عن العلاج النفسي باعتباره وصمة، بينما هو في الحقيقة وسيلة إنقاذ مبكر.


الحوادث التي شهدناها في نبروه وبلقاس ليست مجرد أخبار حوادث، بل رسائل تحذيرية لكل بيت في مصر. إن السكوت عن المخدرات أو التغاضي عن العنف الأسري قد يقود إلى مأساة لا تحمد عقباها. ولا بد أن ندرك أن مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية جماعية، تبدأ من البيت في مراقبة الأبناء واحتوائهم، وتمر عبر المدرسة في التربية والتوعية، وتصل إلى الدولة في سن القوانين الرادعة وتوفير مراكز العلاج، وتنتهي بنا جميعاً في إعادة إحياء قيمة التكافل الاجتماعي والديني التي تحفظ المجتمع من الانهيار.


فلنتوقف جميعاً أمام هذه الجرائم المؤلمة، لا باعتبارها أحداثاً عابرة، بل كجرس إنذار يذكرنا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم:6]. فالمسؤولية تبدأ من كل فرد، بأن يحفظ نفسه وأهله، ويبتعد عن كل ما يغضب الله ويهدد استقرار الأسرة. إننا بحاجة إلى يقظة ضمير، وإلى وقفة جادة تحمي بيوتنا من أن تتحول إلى مقابر. المخدرات ليست قدراً، والضغوط ليست مبرراً، وإنما هما تحديان لا بد من مواجهتهما بالإيمان والوعي والعمل الجماعي، حتى يظل البيت المصري حصناً للرحمة والسكينة لا ساحة لجريمة دامية.


google-playkhamsatmostaqltradent