recent
أخبار ساخنة

التطوع… رسالة إنسانية لا تعرف الاحتكار BDF

 

التربية الأخلاقية في المدارس شيء غاية في الأهمية BDF

التطوع… رسالة إنسانية لا تعرف الاحتكار BDF


بقلم: د. هاني الزنط


يُعد العمل التطوعي قيمة إنسانية وحضارية أصيلة، وركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة وتعزيز تماسكها. فهو ليس نشاطاً عابراً أو ترفاً اجتماعياً، بل منظومة متكاملة تقوم على العطاء بلا مقابل والإيثار وتحمل المسؤولية. إنه رسالة مفتوحة لكل إنسان، لأنه يعكس طبيعة البشر في التعاون والتكافل، ويؤكد أن الإنسان لا يكتمل بذاته فقط بل بعلاقاته ومشاركته مع الآخرين. غير أن هذه الرسالة قد تتعرض أحياناً للتشويه إذا تم حصرها أو احتكارها من قبل أفراد أو مؤسسات، فالعمل التطوعي ليس امتيازاً لفئة ولا وسيلة للتباهي، بل واجب أخلاقي يحق للجميع أن يشارك فيه ويسهم من خلاله في خدمة مجتمعه.


لقد أولى الدين الإسلامي العمل التطوعي مكانة سامية، حيث قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، كما جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". هذا يضع قاعدة إنسانية راسخة بأن التطوع ليس مجرد مساعدة اجتماعية، بل عبادة ووسيلة للتقرب إلى الله.


وعلى المستوى الدولي، أكدت الأمم المتحدة أن التطوع حق أساسي يجب أن يكون متاحاً للجميع. فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 على حق كل إنسان في المشاركة المجتمعية، كما اعتمدت الجمعية العامة عام 2001 السنة الدولية للمتطوعين. وفي مصر، جاء القانون رقم 149 لسنة 2019 بشأن الجمعيات الأهلية ليؤكد أهمية تنظيم جهود المتطوعين وضمان إدارتها بشفافية بعيداً عن التمييز أو الاحتكار.


أما على أرض الواقع، فتُعد الكيانات الشبابية والمؤسسات والجمعيات الأهلية منصات رئيسية لاحتضان طاقات الشباب وتنظيم العمل التطوعي. فالكيانات الشبابية مثل مراكز الشباب لم تعد مجرد ساحات رياضية بل أصبحت منصات للتنمية ونشر الوعي وتنفيذ المبادرات. كما أن المؤسسات التعليمية والخدمية بدأت تنظر إلى التطوع باعتباره جزءاً من مسؤوليتها المجتمعية، حيث يشارك الطلاب والموظفون في مبادرات تخدم المجتمع وتعزز روح الانتماء. وتبقى الجمعيات الأهلية الحاضنة الأوسع بفضل مرونتها وقدرتها على الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجاً وتحويل المبادرات الفردية إلى برامج مستدامة.


لكن على الرغم من هذه الجهود، يظل خطر الاحتكار قائماً إذا اقتصرت فرص التطوع على فئات معينة. فالاحتكار يؤدي إلى إهدار طاقات كان يمكن استثمارها، ويصيب الشباب بالإحباط، ويشوه رسالة التطوع عندما يتحول إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية. لذلك فإن الشفافية والعدالة في إتاحة الفرص وتدريب المتطوعين والإشراف على البرامج عناصر ضرورية لحماية رسالة التطوع.


ويكتسب العمل التطوعي أهمية خاصة في ظل التحديات العالمية، إذ يسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015، مثل القضاء على الفقر، وضمان التعليم الجيد، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز الشراكات من أجل التنمية. إنه طاقة متجددة تعزز قدرة المجتمعات على مواجهة الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو بيئية أو اجتماعية.


إن العمل التطوعي ليس امتيازاً ولا وسيلة للمجد الشخصي، بل حق ومسؤولية وفرصة يجب أن تُتاح للجميع. ونحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة إحياء روح التطوع في نفوس الشباب والمجتمع على أن يُدار التطوع بشفافية وعدالة بعيداً عن كل أشكال الاحتكار أو التمييز. فهو الجسر الذي يعبر به الفرد من ذاته إلى مجتمعه والطريق إلى وطن أقوى، أكثر تضامناً، وأكثر عدلاً.


google-playkhamsatmostaqltradent