recent
أخبار ساخنة

الرجولة ليست طلاقاً بل ضمير لا ينام

 

الرجولة ليست طلاقاً بل ضمير لا ينام

الرجولة ليست طلاقاً بل ضمير لا ينام


بقلم: د. خالد البليسى

في زمنٍ أصبحت فيه المفاهيم مقلوبة، اختلطت على البعض معاني الرجولة، فظنّها البعض صوتاً مرتفعاً أو قوةً بدنية أو قدرةً على القهر والسيطرة، وغفل عن أن الرجولة الحقيقية قلبٌ ينبض بالرحمة، وضميرٌ يخاف الله، ومسؤوليةٌ لا تهرب من واجبها مهما اشتدت الظروف.

لقد بات مؤلماً أن نرى رجالاً يُطلّقون زوجاتهم، ثم يطوون صفحة حياتهم القديمة وكأنهم لم يتركوا وراءهم أرواحاً صغيرة تتشبث بأمل الأمان، وأعيناً بريئة تترقب لحظة الحنان، وأطفالاً لا ذنب لهم سوى أنهم جاءوا إلى الدنيا في بيتٍ لم يعرف معنى المسؤولية بعد.

 أين النخوة؟ وأين الدم؟ وأين الرحمة؟

كيف ينام إنسانٌ قرير العين، بينما يعلم أن أبناءه قد ينامون جوعى أو يرتجفون من البرد؟

كيف يهدأ له بال وهو يعلم أن طفلاً من صلبه يبكي في منتصف الليل من الخوف أو من الاحتياج؟

أي قلبٍ هذا الذي تحجّر حتى نسي أن هؤلاء الأطفال قطعةٌ من دمه، وامتدادٌ لروحه، وأمانةٌ في عنقه أمام الله؟

إن من يتخلى عن أولاده بعد الطلاق، أو يتنصّل من مسؤولياته، ليس رجلاً كما يظن، بل باع ضميره ورجولته ونخوته بثمنٍ بخس.

فالرجولة ليست أن تُطلّق وتترك، بل أن تتحمل وتخاف الله، أن تكون أباً حتى وإن انتهت العلاقة الزوجية، لأن الأبوة لا تُطلّق، والمسؤولية لا تسقط بقرارٍ من المحكمة.

مسؤولية أمام الله قبل أن تكون أمام القانون

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:

 "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة"

هي رسالة إلهية لكل رجل، بأن مسؤولية الأهل والأبناء ليست رفاهية، بل أمانة يُسأل عنها يوم القيامة.

هل ربيت؟ هل سألت؟ هل أنفقت؟ هل علمت؟ هل كنت سنداً أم كنت سبباً في وجعهم وضياعهم؟

إن الرجل الذي يترك أبناءه دون نفقة أو رعاية أو متابعة، لا يهرب من مسؤولية مؤقتة فحسب، بل يزرع في قلوبهم جرحاً لا يندمل مدى الحياة.

فالولد الذي كبر بلا أب قد يحمل في داخله غضباً لا يُطفأ، وقد يتحول القهر في نفسه إلى عنفٍ أو انحرافٍ أو كراهيةٍ لكل ما حوله.

أما البنت التي كبرت دون دفء الأب، فستظل طوال عمرها تبحث عن الأمان، وتخاف من الخذلان، وتحمل في داخلها كسرةً لا يُصلحها الزمان.

 الرجولة... موقف وليست كلمات

الرجولة الحقيقية ليست أن تُعلّي صوتك أو تفرض سُلطتك، بل أن تُعلي من ضميرك وتُخضع نفسك لنداء الرحمة والواجب.

الرجولة أن تقف بجانب أبنائك حتى في أصعب الخلافات، أن تكون لهم عوناً وسنداً حتى وإن افترقت الطرق بينك وبين أمهم.

الرجولة أن تسعى لرزقهم، وتطمئن عليهم، وتشاركهم آلامهم وأفراحهم، لا أن تُدير ظهرك وتتركهم لمصيرٍ مجهول.

إن الإسلام لم يحمّل الرجل القيادة في الأسرة عبثاً، بل لأنه الأقدر على العطاء والتضحية والحماية.

ولذلك قال رسول الله ﷺ:

 "كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول"

حديثٌ جامعٌ مانع، يختصر الحقيقة كلها: الضياع ليس فقط في الجوع والحرمان المادي، بل في غياب الحنان والرعاية والتوجيه.

 نداء لكل أبٍ غافل

أيها الأب الذي ترك أبناءه، عد إليهم قبل فوات الأوان.

ارجع إليهم حتى لو لم تجمعك بهم نفس السقف، فهم ما زالوا يحتاجونك، ويذكرونك، وينتظرونك.

أعلم أن الخلاف مع الزوجة قد يكون مؤلماً، لكن الخلاف لا يبرر الجفاء تجاه الأبناء، فهم ضحية لا ذنب لهم.

الطلاق لا يعني أن تنتهي أبوّتك، بل أن تبدأ مرحلة جديدة من المسؤولية بحكمةٍ ووعيٍ وعدلٍ.

لا تجعل من نفسك سبباً في ضياعهم، ولا تتركهم فريسةً للحرمان، فإنك بذلك تهدم ما تبقّى من إنسانيتك قبل أن تهدم بيتك.

وأخيراً

الرجولة ليست لقباً يُمنح، بل موقف يُثبت، وضميرٌ يُحيي، ويدٌ تمتد بالعطاء والرحمة.

فكُن كما أمرك الله: أباً عطوفاً، راعياً مسؤولاً، رجلاً يُسأل عن أهله فيُجيب بوجهٍ أبيض.

ولا تنسَ أن من ضيّع أبناءه اليوم، سيضيع غداً بين يدي سؤالٍ لا مهرب منه: ماذا فعلت بأمانتك؟


google-playkhamsatmostaqltradent