recent
أخبار ساخنة

حسن سليم يكتب: نداء وطني لإعلان 2026 عام الأسرة المصرية

حسن سليم يكتب: نداء وطني لإعلان 2026 عام الأسرة المصرية

 

حسن سليم يكتب: نداء وطني لإعلان 2026 عام الأسرة المصرية



كانت الأسرة المصرية ولا تزال الخلية الأولى التي يتماسك بها الوطن، والوعاء الذي تصاغ فيه القيم، وتبنى عبره الشخصية الوطنية القادرة على الصمود والعمل والإنتاج، غير أن ما تشهده مصر في السنوات الأخيرة من تصاعد غير مسبوق في معدلات التفكك الأسري، وعلى رأسها الارتفاع المقلق في حالات الطلاق، بات جرس إنذار حقيقيا يستدعي وقفة جادة، وقرارا وطنيا شجاعا بحجم التحدي.


تشير الأرقام المتداولة إلى تسجيل ما يقرب من 750 حالة طلاق يوميًا، وهو رقم لا يمكن التعامل معه باعتباره مجرد إحصاء عابر، بل هو مؤشر عميق على تحولات اجتماعية واقتصادية ونفسية متشابكة، تهدد استقرار المجتمع، وتلقي بظلالها الثقيلة على الأجيال القادمة، فكل حالة طلاق لا تعني انفصال زوجين فقط، بل تعني في كثير من الأحيان أطفالا ممزقين نفسيا، وأسرا ممتدة تتأثر، ونسيجا اجتماعيا يتآكل بصمت.


من هنا، تتصاعد المطالبات الوطنية الصادقة بتدخل رئاسي حاسم، يضع قضية الأسرة المصرية في صدارة الأولويات، عبر إعلان عام 2026 عامًا للأسرة المصرية، في مبادرة تاريخية تعكس وعي الدولة بخطورة اللحظة، واستشرافها لمستقبل المجتمع، على غرار ما شهدناه من مبادرات رئاسية كبرى أعادت صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن في ملفات الصحة والحياة الكريمة وبناء الإنسان.


إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تبنى منذ توليه المسؤولية مشروعا وطنيا شاملا لإعادة بناء الدولة المصرية الحديثة، يدرك جيدًا أن التنمية الحقيقية لا تقاس فقط بالمشروعات العملاقة أو المؤشرات الاقتصادية، بل تبدأ من الإنسان، ومن الأسرة تحديدا، باعتبارها المدرسة الأولى التي يتعلم فيها المواطن معنى الانتماء والانضباط والمسؤولية.. ومن هذا المنطلق، فإن إعلان عام للأسرة المصرية لن يكون خطوة رمزية، بل إطارا استراتيجيا جامعا، تتكامل تحته السياسات والتشريعات والبرامج التوعوية.


لقد بات واضحا أن أحد أبرز أسباب تصاعد الطلاق يتمثل في غياب التأهيل الحقيقي للزواج، وتراجع منظومة القيم الأسرية، وتغير أنماط الحياة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تعميق الفجوة بين الأزواج، وخلقت تصورات غير واقعية عن الزواج والاستقرار، يضاف إلى ذلك تعقيدات القوانين المنظمة لشؤون الأسرة، التي تحولت في بعض الأحيان من أدوات حماية إلى بؤر صراع مزمن بين الطرفين، يدفع ثمنه الأطفال أولا وأخيرا.


وفي هذا السياق، تبرز مطالبات متزايدة من قطاعات واسعة، بإعادة النظر في سن الحضانة، وخفضه إلى 7 سنوات للولد و9 سنوات للبنت، بما يحقق قدرًا أكبر من التوازن بين حق الأم في الرعاية، وحق الأب في المشاركة الفعلية في تربية أبنائه، بعيدا عن منطق الإقصاء أو الانتقام، فالقضية هنا لا تتعلق بانتصار طرف على آخر، بقدر ما تتعلق بالمصلحة الفضلى للطفل، الذي يحتاج إلى وجود الأب والأم معا في مراحل نموه المختلفة، نفسيا وتربويا وسلوكيا.


لقد أثبت الواقع أن إقصاء أحد الوالدين، أو تحويل الطفل إلى أداة صراع قانوني، يترك آثارا نفسية عميقة تمتد لسنوات، وتنعكس على سلوكه وتحصيله الدراسي وقدرته على الاندماج المجتمعي.. ومن هنا، فإن إعادة ضبط معادلة الحضانة يجب أن تتم في إطار رؤية شاملة، تراعي خصوصية المجتمع المصري، وتحفظ التوازن الأسري، وتغلق أبواب الاستغلال والمزايدات.


ولا يمكن الحديث عن إنقاذ الأسرة المصرية دون طرح فكرة إنشاء مجلس قومي للأسرة، يكون كيانا وطنيا مستقلا، يتبع رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء، ويضم في عضويته خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون والشريعة والإعلام، إلى جانب ممثلين عن الوزارات المعنية، مجلس تكون مهمته صياغة استراتيجية وطنية لحماية الأسرة، ومراجعة التشريعات القائمة، واقتراح سياسات وقائية، لا علاجية فقط.


إن وجود مجلس قومي للأسرة سيتيح لأول مرة التعامل مع قضايا الطلاق والعنف الأسري والتفكك الاجتماعي بمنهج علمي مؤسسي، بدلا من الحلول الجزئية وردود الأفعال المؤقتة، وسيكون هذا المجلس منصة لتوحيد الجهود، وربط التعليم والإعلام والدين بالقانون، في معركة وعي حقيقية تستهدف إعادة الاعتبار لقيم الاستقرار والمسؤولية المشتركة.


ولا يقل الدور الإعلامي أهمية في هذه المعركة، فالإعلام، الذي طالما كان مرآة للمجتمع، مطالب اليوم بأن يكون أداة بناء لا هدم، وتوعية لا تهوين، فكم من أعمال درامية رسخت صورة مشوهة للعلاقات الأسرية، وكم من خطاب إعلامي ساهم في تطبيع الصراع بدلا من نشر ثقافة الحوار والتفاهم.. ومن هنا، فإن عام الأسرة المصرية يجب أن يشهد ميثاقا إعلاميا وأخلاقيا، يضع الأسرة في مكانتها اللائقة، ويعيد تقديمها كنموذج للقوة لا للضعف.


كما أن المؤسسات الدينية، الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، يقع على عاتقهما دور محوري في إعادة ترسيخ المفاهيم الصحيحة للزواج، والتأكيد على أن الأسرة ميثاق غليظ، لا يدار بمنطق المكسب والخسارة، بل بروح المودة والرحمة وتحمل المسؤولية.. فالتكامل بين الخطاب الديني المعتدل، والسياسات الاجتماعية الواعية، كفيل بإحداث تحول حقيقي ومستدام.


إن مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعلان عام 2026 عامًا للأسرة المصرية، ليست مطلبا فئويا أو عاطفيا، بل ضرورة وطنية تمس الأمن الاجتماعي للدولة، واستقرارها على المدى الطويل. فالمجتمع القوي يبدأ بأسرة قوية، والأسرة القوية تحتاج إلى دولة واعية، وقوانين عادلة، وثقافة مجتمعية داعمة.


لقد نجحت القيادة السياسية في ملفات بدت يوما ما مستحيلة، من مكافحة الإرهاب، إلى إصلاح البنية التحتية، إلى إطلاق أكبر برامج الحماية الاجتماعية.. واليوم، يقف ملف الأسرة المصرية على أعتاب لحظة حاسمة، تتطلب الإرادة نفسها، والرؤية نفسها، والجرأة نفسها.


إن التاريخ سيسجل أن الدولة التي انتصرت في معارك البناء والتنمية، انتصرت أيضًا لمعركة الإنسان، وحمت أسرته، وصانت مستقبل أطفاله.. وكل الثقة أن الرئيس، الذي جعل بناء الإنسان المصري في قلب مشروعه الوطني، لن يتردد في تبني هذه الدعوة، وتحويلها إلى واقع، يليق بمصر، ويستحقه شعبها.


google-playkhamsatmostaqltradent