recent
أخبار ساخنة

دولة التلاوة.. مصر تعزف على وتر الريادة ونهضة جديدة للقرآن الكريم والشباب

 

دولة التلاوة مصر تعزف على وتر الريادة ونهضة جديدة للقرآن الكريم والشباب

دولة التلاوة.. مصر تعزف على وتر الريادة ونهضة جديدة للقرآن الكريم والشباب


بقلم: حاتم السعداوي

في خضم التحديات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة، تبرز مبادرات تتجاوز حدود الفعاليات المؤقتة لتتحول إلى مشروعات قومية تعيد تشكيل الوعي العام وتعزز الهوية. ويأتي برنامج دولة التلاوة في مقدمة هذه المشروعات، باعتباره أحد أبرز الإنجازات التي أعادت صياغة العلاقة بين مصر وريادتها التاريخية في العالم الإسلامي، لا سيما في مجال القرآن الكريم وعلومه.


لطالما احتلت مصر مكانة مدرسة التلاوة الأولى عالميًا، بصوت شيوخها الأجلاء الذين خلد التاريخ أسماءهم مثل الشيخ محمد رفعت، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وغيرهم من أعلام التلاوة. ولم يأت برنامج دولة التلاوة ليستدعي الماضي فحسب، بل انطلق كمشروع متكامل يستهدف إحياء التراث القرآني الأصيل، وترسيخ فن التلاوة المقاماتي المنضبط، بعيدًا عن العشوائية والارتجال، حتى أصبح الاستماع إلى التلاوات المتقنة ظاهرة لافتة، خاصة مع بث فعاليات البرنامج عبر القنوات الرسمية والمنصات الرقمية.


وتجلّى التأثير الأبرز للبرنامج في فئة الشباب، حيث قدم نموذجًا مختلفًا للجاذبية والاحتراف والارتباط العميق بالهوية الدينية، في وقت تتعدد فيه التيارات الثقافية المتباينة. وبات حلم أن يكون الشاب قارئًا أو منشدًا محترفًا هدفًا مشروعًا يحظى بتقدير اجتماعي، وهو ما شجع مئات الأطفال والشباب على الالتحاق بمدارس التحفيظ والتجويد، وأسهم في إعادة الاعتبار لهذه المسارات التعليمية والدعوية.


كما لعب البرنامج دورًا مهمًا في تصحيح الصورة الذهنية عن الخطاب الديني، من خلال تقديم نموذج مستنير ومعتدل للإسلام في مصر، يربط بين جمال الفن الراقي والالتزام الديني، ويؤكد على سماحة الدين وجلال معانيه، بما يعكس روح الوسطية التي تميز المدرسة المصرية في التلاوة.


ولا يُقاس نجاح دولة التلاوة بعدد الفائزين أو قيمة الجوائز، بل يتجلى في الأثر الأعمق المتمثل في إعادة ترسيخ مكانة مصر على الخريطة الإسلامية والدولية. فقد أعاد البرنامج التأكيد على أن مصر ما زالت تحتفظ بعرش التلاوة، وتبقى مرجعًا رئيسيًا في علوم القرآن والقراءات، وهي ريادة تمثل قوة ناعمة فاعلة تفتح آفاق التعاون الثقافي والديني مع مختلف دول العالم الإسلامي.


وتميّز البرنامج بدرجة عالية من الاحترافية والمنهجية في آليات التحكيم والتنظيم، ما جعله مقصدًا للقراء من جنسيات متعددة، وأسهم في رفع المعايير الفنية والعلمية للحركة القرآنية المصرية، ودفعها للمنافسة بقوة في المحافل الدولية.


وامتد تأثير هذا النجاح ليشمل حراكًا ثقافيًا واقتصاديًا موازيًا، تمثل في ازدهار مراكز إعداد القراء والمنشدين، وتزايد الاهتمام بالإنتاج الإعلامي المتخصص، بما يعكس تنامي ما يمكن وصفه بالاقتصاد الثقافي المرتبط بالقرآن الكريم وفنونه.


وفي المحصلة، لا يمكن النظر إلى دولة التلاوة باعتباره برنامجًا تلفزيونيًا أو مسابقة فحسب، بل هو رؤية استراتيجية تعكس حرص الدولة المصرية على تعزيز هويتها الروحية والثقافية، والاحتفاء بإرثها القرآني العريق. وقد أثبت البرنامج أن قوة مصر لا تتجسد فقط في السياسة أو الاقتصاد، بل أيضًا في صوتها المتقن الذي يصدح بكتاب الله، ويعزف لحن الريادة من جديد في وجدان العالم الإسلامي.


وبهذا النجاح المتواصل، تؤكد مصر للعالم أنها ستظل عاصمة التلاوة العالمية، وقبلة الإتقان القرآني، وقائدة لمسيرة الوعي والجمال الصوتي نحو مستقبل أكثر إشراقًا.


google-playkhamsatmostaqltradent