recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن زيد بن ثابت " الجزء الخامس "

 ماذا تعرف عن زيد بن ثابت " الجزء الخامس "



إعداد - محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الخامس مع الصحابى الجليل وكاتب الوحى زيد بن ثابت، وقد توقفنا عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز، وعن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتحسن السريانية؟" قلت لا، قال صلى الله عليه وسلم " فتعلمها فإنه تأتينا كتب" قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما، وقال الأعمش، كانت تأتيه كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذ بدأت الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول صلى الله عليه وسلم، يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم أجمعين.


وبعد أن تم النزول كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يقرؤه على المسلمين مرتبا حسب سوره وآياته، وقد قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت، وتبوأ في المجتمع مكانا عالي، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم، فقال ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت "ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد" ولقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يستخلفه إذا حج على المدينة، وزيد بن ثابت رضى الله عنه، هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وقد استعمله عمربن الخطاب على القضاء وفرض له رزقا، وكان والد الصحابى الجليل زيد بن ثابت توفى يوم بعاث وبعاث أو يوم بعاث هي آخر معركة من معارك الأوس والخزرج بيثرب.

 


قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم, وبُعاث وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات وتعد أشهر وأدمى معركة بين اليثربيين وآخرها إذ أخذت بهم الأحقاد والضغون إلى أن أخذوا يستعدون لها ويعدون قبل شهرين وقيل أربعين يوما من وقعتها وقد حالف الخزرج أشجع وجهينة, وحالف الأوس مزينة وقبائل اليهود بني قريظة وبنو النضير وغيرهم وسميت المعركة ببعاث نسبة للمنطقة التي تصادم بها الحشدان وقامت عليها الحرب، وكانت يثرب تموج بحروب لا بداية لها ولا نهاية بين الأوس والخزرج، فكان في نفوسهم الشيء الكثير من الثارات والاحتقانات وكان يوم بُعاث خاتمة لهذه الحروب الأهلية التي أنهكتهم لسنين مديدة، وكانت بدايات واقعة بُعاث أن علمت الخزرج أن بني قريظة و بني النضير يعاونون الأوس في معاركهم، فبعثوا لهم رسالة يعمها التهديد والتخويف وتأليب من هم أقوى منهم عليهم من العرب وطلبوا منهم أن يعتزلوا 


ويخلوا بينهم وبين الأوس فلا يشركون أنفسهم في ما ليس لهم، فلما بلغ اليهود ذلك ردوا على الخزرج أن الأوس فعلا قد طلبوا نصرتهم لكنهم لن يفعلوا، فطلب الخزرج حينها من اليهود النضير وبني قريظة، رهائن تكون معهم ليأمنوا حربهم، فأرسل لهم اليهود أربعين غلاما من غلمانهم إلى الخزرج، وفي أحد الأيام قام عمرو بن النعمان البياضي إلى قومه الخزرج وأطمعهم في أراضي النضير وبني قريظة وما تحويه من ماء ونخيل، وما عليه أرضهم من سبخة لا تسكن ولا تطاق، ثم كتب إلى قريظة والنضير يطالبهم بأن يخلوا بينهم وبين ديارهم أو قتل الرهائن, فعزم بنو قريظة والنضير على الجلاء والخروج إلا أن كعب بن أسد القرضي قال " يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الرهن والله ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له غلام مثل أحد الرهن " فما كان من القوم إلا أن وافقهوه رأيه وراسلوا عمرو بأنهم رفضوا تسليم منازلهم.


فقام عمرو وبعض مُطيعيه من الخزرج فقتلوا الرهن, ولم يرضى هذه الفعلة عبد الله بن أبي بن سلول فقال هذا عقوق ومأثم وبغي فلست معينا عليه ولا أحد من قومي أطاعني، وبعد هذه الحادثة وبنفس اليوم تقاتل الأوس مع الخزرج قتالا يسيرا, ثم أرسل النضير وبني قريظة إلى الأوس بالقتال معهم ونصرتهم على الخزرج كما حالفتهم بنو ثعلبة وبنو زعوراء، وأجمعوا أمرهم على القتال، وبعد وقعة قتل غلمان اليهود وهم الرهن، من قِبل عمرو بن النعمان وبعض مطاوعيه من الخزرجيين، لم يتوانى بنو النضير وبنو قريضة عن إعلان مُحاربة الخزرج يدا بيد مع الأوس، واشتغل الأوس لفترة طويلة تجاوزت الأربعين يوما بتجميع الحلفاء فانضمت لهم قبائل من بنو ثعلبة، من غسان، وبني زعوراء، وجدوا في عزمهم على قتال الخزرج وتسلحوا وتجهزوا وأعدوا للقتال عُدته، وقد بلغ هذا الخبر الفظيع الخزرج فقام عمرو بن النعمان.

 


وعمرو بن الجموح السلمي إلى عبد الله بن أبي بن سلول وكلموه بالقتال لكن عبد الله بن أبي خالفهم ووبخهم لأفعالهم وبغيهم فرد عليه عمرو بن النعمان، انتفخ والله سحرك يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة والنضير, فقال عبد الله بن أبي بن سلول والله لا حضرتكم أبدا ولا أحد أطاعني أبدا ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة, وتخلف عبد الله بن أبي عن القتال هو ورجال من الخزرج على رأسهم عمرو بن الجموح، فما كان من الخزرج إلا تولية عمرو بن النعمان البياضي قائدا لهم بهذه الحرب وبدأوا بتجميع الحلفاء ومراسلتهم فراسلوا جهينة وأشجع فجاوبوهما وهكذا، بدأ الفريقان يحشدان الجموع ويألبان الأنصار لليوم المزمع الموعود، وبعد الاستعداد الطويل لهذا اليوم المرتقب، وتجلي الخوف السائد للطرفين، وازدياد الاحتقان المتصاعد، قد احتشد الطرفان في بُعاث وهي منطقة لبني قريظة.


وما لبثا حتى ألتقيا ودارت رحى المعركة فأنكسر الأوسييون عندما اشتد وطيس المعركة ولم يقاوموا فانهزموا هزيمة واضحة ولاذوا بالفرار، إلا أن قائدهم حضير الكتائب قام بطعن قدمه بالرمح وصاح بأعلى صوته، واعقراه كعقر الجمل، والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا، وعندما سمعوا صوته عطفوا عليه عطفة رجل واحد واستعرت الحرب واشتد سعيرها فقلب الأوسيون الحال رأسا على عقب وقتل عمرو بن النعمان رئيس الخزرج، بسهم لا يُعرف له رامى، وحُمل ملفوفا بعباءة يحمله أربعة وعبد الله بن أبي بن سلول ينظر فيه من بعيد، ويقول ذق وبال البغي، فكان كل ما قاله ابن أبي قبل المعركة قد وقع، وها هو الآن يرى عمرا محمولا على الأكتاف كما أخبره من قبل، وليس إلا وقت قليل وينهزم الخزرج هزيمة نكراء والأوس من خلفهم بالسلاح لا تأخذهم بهم رحمة فصاح أحد الأوسيون 


يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب، ومع هذا الصوت توقفوا عن قتلهم وسلبهم ولكن النضير وبني قريضة فعلا، ومات حضير قائد الأوس فيما كان قومه يحملونه، ولقد كانت هذه الحروب الأهلية قد أنهكت اليثربيين أوسهم وخزرجهم، وبعد يوم بعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فاتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم يقبله الطرفان فوقع الاختيار على عبد الله بن أبي بن سلول، وفيما كانا يُجهزان له ملكه حدثت بيعة العقبة الأولى والثانية ودخل الإسلام يثرب ثم هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فزال مُلك ابن أبي قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد فعاش عبد الله بن أبي تحت سيادة النبي صلى الله عليه وسلم، كأكبر منافق ومعاد للنبي صلى الله عليه وسلم، عرفه التاريخ الإسلامي، والسبب في هذا واضح فهو كان يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد انتزعه ملكه الذي كان يُجهز له. 


وكان يوم بعاث نهاية لحروب يثرب بين الأوس والخزرج حيث أنهم اصطلحوا على ايقاف الحرب ثم دخلوا في الإسلام جميعا وأصبحت سيوفهم تسل على عدو واحد دفاعا عن عقيدتهم، وقال زيد بن ثابت رضى الله عنه كانت وقعة بعاث وأنا بن ست سنين وكانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخمس سنين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة وأنا بن إحدى عشرة سنة وأتي بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا غلام من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة فلم أجز في بدر ولا أحد وأجزت في الخندق، وهكذا تظل سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم زيد بن ثابت نموذجا يحتذى به على مر العصور والقرون واختلاف الأزمان، لما لهم من منزلة عظيمة وحقوق على الأمة الإسلامية كثيرة أبرزها المعرفة بسيرتهم.

ماذا تعرف عن زيد بن ثابت " الجزء الخامس "


google-playkhamsatmostaqltradent