recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

كيان الدولة والوعي المجتمعي

الصفحة الرئيسية

 

كيان الدولة والوعي المجتمعي






 بقلم  ـ  أ.د/ عصام محمد عبد القادر سيد   


يعد الوعي المجتمعي السياج الذي به تستمد الدولة مسيرتها ونهضتها، ومن ثم تلبي احتياجات جموع الشعب دون تمييز أو تفرقة تذكر، كما يمكن لها أن تطمح لأكثر من ذلك بأن تسعى لمستوى جودة الحياة للمواطن، وفق رؤية دؤوبة تقوم على العمل المستمر والشراكة الفاعلة من قبل كآفة المواطنين، ويصعب أن يتحقق ذلك دون وعي مجتمعي، ونضوج فكري لمسيرة الإصلاح والنهضة بالدولة في قطاعاتها المختلفة وفق خطة زمنية محددة.

ولا يمكن للحكومات في العالم أجمع أن تحدث تنمية أو نهضة في بلادها دون وعي مجتمعي سليم، قائم على المعرفة والممارسة العملية، ومن ثم يتكون لدى المواطن الضمير الوطني الذي يوجهه ويحثه نحو كل ما هو مفيد لوطنه، وأن يعمل على ذلك دون كلل أو ملل، وعليه لابد أن نعترف بأن الوعي المجتمعي الذي يوافق مبادئ الدولة، ويحافظ على كيانها، يعد عامل رئيس لأستمرار وبقاء الدولة، وأن فكرة الهدم قائمة على تشويه وتزييف الوعي المجتمعي بآليات عديدة.

والمواطن بغض النظر عن مستوى تعليمه أو ما لديه من شهادات، في احتياج لأن يستوعب الحدث، ويتطرق لتفاصيله؛ كي يفهم ما يرتبط به من مجريات، ومن ثم يستطلع الواقع بصورة إجرائية، يلي ذلك أهمية مقدرته على تحليل وتركيب مفردات الحدث؛ ليتمكن من المراجعة الدقيقة، وعلى أثر ذلك يتمكن من إصدار حكم حيال هذا الحدث دون مؤثرات داخلية أو خارجية، بما يعبر بدقة عن الواقع المعاش.

وفي سياق مختصر كي نشكل وعياً سليماً يهدف إلى الحفاظ على كيان الدولة، ينبغي أن نوفر المعرفة الصحيحة لما نريد أن نوعي من أجله، ونعمق من فهمها، ونستطرد تفاصيلها، ونؤكد على مطابقتها لشواهد الواقع، وبالتالي نتمكن من تفصيلاتها الخارجية، ونربط بين تفريعاتها؛ لنصل إلى مستوى الحكم القطعي حيال القضية المستهدفة، بما يؤدي إلى تشكيل رؤية سليمة لا مجال للتشكيك فيها.

إننا نعاني من أزمة تتمثل في قصور المعرفة؛ حيث إشكالية مطالعتها، إما لتكاسل أو تهاون في مطالعة المعلومات في صورتها الصحيحة، ومن مصادرها الأصلية الموثوق فيها، ومن ثم صعوبة في استرجاع المعلومات الصحيحة عند الحاجة إليها، واستبدالها في بعض الأوقات بمعلومات مزيفة متاحة من جهات مغرضة، وقد يترتب على ذلك تشكيل وعي مزيف يساند أحكام جائرة، تسهم في هدم كيان الدولة، وهو ما نعاني منه في الوقت الراهن بصورة فجة، وحل تلك الأزمة يبدء من استيعاب للمعلومات في صورة صحيحة من مصادر الدولة الرسمية دون غيرها والمطابقة للواقع.

ولا جدوى من معرفة بعيدة عن الفهم الصحيح، والذي يتمثل في مقدرة المواطن على التفسير والملاحظة الدقيقة غير السطحية للظواهر والأحداث؛ لذا يمكنه الفهم العميق بما يتضمنه من تفسير وترجمة للأحداث واستنتاجات دقيقة من الكشف عن أبعاد القضية المرتبطة بالوعي، وبذلك يمكنه أن يفسر ما يشملها من أحداث غامضة، بل ويترجم المواقف المرتبطة بها ويستنتج العلاقات بين مجرياتها بصورة صحيحة، وغير مشوهة؛ لذا بات الفهم وما يتضمنه من التفسير والترجمة والاستنتاج ضرورة لا جدال حولها.

وجدير بالذكر أن عمق المعرفة لا يكفي عن استخدام وتوظيف ما يمتخض عنها من معلومات وبيانات في مواقف حياتية مشابهة أو حتى جديدة، دلالة قاطعة لمقدرة المواطن على التطبيق، نتيجة لاستيعاب وفهم عميق يساعده في الانتقال لمرحلة إجرائية تهتم بمطابقة الواقع، أو التأكيد على أهمية الرجوع للمعلومات التي تفسر طبيعة الحدث أو القضية، ومن ثم تعطي معنى جديد لمجريات الأحداث أو القضية التي يتشكل حولها الوعي المجتمعي.

ولا مناص من تحليل صحيح في خطواته بعد المرور بالاستيعاب والفهم العميق والتطبيق؛ كي يتمكن المواطن من تفكيك الفكرة أو القضية المرتبطة بموضوع الوعي المجتمعي إلى مكوناتها وعناصرها الأساسية لإظهار العلاقة بين المكونات أو العناصر، وهذا يمثل الاهتمام بدقة التفاصيل؛ بغية الخروج منها بشواهد تعضد الأحداث بالقضية محل الاهتمام.

إننا نأمل في تشكيل وعي صحيح يتسم بالثبات، بعد مراحل تضمنت الاستيعاب والفهم العميق والتطبيق والتحليل؛ لنصل إلى أن يتمكن المواطن من وضع التصور الشامل للقضية محل الاهتمام، ويشكل ذلك مقدرته على التركيب؛ حيث إعادة الربط للعناصر والتفريعات ليصل إلى مكون جديد، يساعد في تعضيد الوعي المجتمعي للقضية المطروحة.

وغاية تشكيل الوعي في صورته الصحيحة يتأتي من مقدرة المواطن على إصدار أحكام أو تبني رؤية بعينها أو اتخاذ قرارات تتعلق بالقضية المجتمعية محل العناية، ولا يمكن أن يحدث ذلك بعيداً عما سبق عرضه من مستويات الاستيعاب والفهم العميق والتطبيق والتحليل والتركيب، وتلك المستويات تحقق القناعة التامة بحكم أو رؤية أو قرار بعينه، فيما يتعلق بالقضية المجتمعية المطروحة.

إننا نستهدف وعياً مجتمعياً يعتمد عليه في التوصل لأحكام صحيحة وقاطعة في حياتنا الخاصة؛ فلكل قضية تفرعات وتفاصيل تحتاج لاستيعاب وفهم، ومن ثم ربط وتحليل وتركيب، تنتهي بحكم عليها بعد يقين جامع؛ لكن ما نلاحظه الساعة الأحكام المتسرعة التي لا تستند إلى دليل أو معرفة عميقة لتفاصيل مهمة تعضد تلك الأحكام؛ لذا فنحن في احتياج لأن نطالع ونطبق تلك المستويات؛ ليسنى لنا أن نصدر الأحكام الصحيحة، أو نتخذ القرارات السليمة، أو نتبنى رؤية تتسق مع معايير بناء الدولة، وبالتالي نحافظ على كيانها.

إن صورة تزييف الوعي المجتمعي تعتمد في المقام الأول على مسلمة أن المواطن لا يطالع التفاصيل، ولا يرجع للمصادر الموثوقة، وهذا ما تعتمد عليه المنصات التي تناهض إنجازات الدولة المصرية في قطاعاتها المختلفة؛ لذا ينبغي أن نعي آليات مواجهة الأغراض الخبيثة التي ترغب في أن تنال من مؤسساتنا وتزيف وعي المواطن، ونقطة الإنطلاق الصحيحة تعتمد على تنمية الوعي المجتمعي الصحيح بضرورة الفهم والتحليل لمعلومات موثوقة تقدمها مؤسسات الدولة المصرية، ومن ثم يمكن أن نمارس بعد الكشف عن التفاصيل مهمة إصدار الأحكام.

إننا في حاجة لتنمية وعي المواطن المصري الذي يمتلك مقومات الفكر الراقي؛ لذا ينبغي أن يتدرب على مستويات الانتقال المنطقية للمعرفة، بل ويتقنها؛ ليصل إلى الحقيقة المجردة من الأهواء، وليعلم أن مؤسسات الدولة مخلصة في أداء عملها؛ حيث إن عمليات التقويم الذاتي لديها تتم بصورة مستمرة، ومن ثم تتمكن من مواصلة عملها في سياقه الصحيح، والشاهد على ذلك استمراريتها وتطورها إلى الأفضل في شتى تخصصاتها.

حفظ الله بلادنا من كيد الأشرار والمغرضين، ومنحنا الفهم والحكمة، والوعي والرشد، ووفق قيادتنا السياسية الرشيدة لما فيه خير البلاد والعباد.




كيان الدولة والوعي المجتمعي




google-playkhamsatmostaqltradent