عرض. طارق أبو حطب
جزمة أبي ..التي جعلتني أستاذا!!
طيبون –طيبون ، لايمشون وراء الأكاذيب، لا تأخذهم عنتريتهم لمزيد من الأحلام الزائفة ، هم يعلمون أنه ليس زمن الأحلام ، لن يستجيبوا لآمال غيرهم ، لن يتركوا آمالهم تضيع سدى.
بين أصوات الزعاريد ، وأصوات البكاء، ودموع الفرحة ، ودموع التحسر والألم ، هناك أصوات ودموع لبعض الناجحين في الثانوية العامة ، لكنها دموع في عيون عابسة ساخطة ، لم ترض بما حققته، إن كل طالب أدى ماعليه من حقوق وواجبات ، ودخل السباق ببضاعته ، فربح من ربح ، والربح متفاوت ، والسباق ما سمي سباقا إلا لتفاوت المتسابقين ، والمسافات بينهم ، ولكل أسبابه ولكل نصيبه ، فمن سبق أخذ حقه ، ومن تخلف أخذ حقه .
لكن اليأس قد ينهش أجساد بعضهم ، وربما توارت عزيمتهم، وضعفت مقاومتهم لأسباب الحياة ، ونسوا أنها لحظات قدرية لايعلم أحد كنهها .
ترافق الثلاثة في سنوات الدراسة ، كانوا على يقين أن الأحلام لاتمنح ، لكنها تتحقق بالمثابرة والجد والاجتهاد، ، سهروا في ظلام الليل الطويل على أضواء الشموع واللمبات الجاز ، و تسابقوا في مارثون الثانوية العامة .
كل منهم يملك مفتاح بابه السحري، ليس أمامهم سوى الانتظار ، بقيت أعينهم مترقبة ، ساهرة ، خائفة أن تأتي الشمس بأخبار غير سارة ، فلا نوم حتى يتحقق كل منهم من نتيجته.
حضر والده وهو يرفل في ثوبه الفلاحي الطويل الأنيق ، ومحلبته الغالية ، وأناقته المعهودة ، وقال في صوت أجش: حصل زميلاك على مجموع عال جدا ، يؤهلهما للطب والصيدلة ، أما أنت فقد تأخر كثيرا عنهما ، وحصلت على مجموع يزيد على السبيعين بقليل ، ولطمه على وجهه ، خلع حذاءه وضربه ، وقال له : كيف يسبقونك وأنت الأفضل والأذكى و.....و....و....
إنها اللعنة التي أصبتني بها ، كنت أحلم أنت تكون طبيبا أو مهندسا ، ماذا أفعل الآن ، وقد رأيت فيك خيبة أمل وسوء ظن ؟
بكى من شدة الألم ، ومرارة الإهانة ، وسوء الموقف، دخل حجرته ، مد يده ليغلقها بالمفتاح ، هبت رياح طيبة قادمة إليه بعصير المانجو ، إنها أمه تربت على كتفه ، وتنصحه ، وتصلح مابينه وبين أبيه ، تسرب الأمن داخل عروقه ، وشعر بشيء من الارتياح حين دخل والده يصالحه ببعض الكلمات الحانية.
دخل تنسيق المرحلة الثانية ، وصاحباه في كليات القمة ، وكان حظه كلية التجارة ، دخلها وتفوق فيها ، وتخرج بتقدير ممتاز ، وعُين معيدا ثم مدرسا ثم أستاذا، وبقى صاحباه أحدهما في صيدليته كماهو ، والثاني طبيبا لم ينل من الشهرة سوى كونه استشاريا.
اقترب من صورة أبيه الذي رحل من سنة، وقبلها وأرسل لها تحية كتحية أفراد الجيش ، لقد حققت حلمك ، ها أنا ذا أستاذ في كلية التجارة ، رحلت يا أبي وبقيت علامات أصابعك على خدي ، وأثار جزمتك على رأسي ، دعني أقبل جزمتك فهي التي جعلتني أستاذا.