recent
أخبار ساخنة

«الخلع».. بين نص القانون ومآسي الواقع

 

«الخلع».. بين نص القانون ومآسي الواقع

«الخلع».. بين نص القانون ومآسي الواقع


بقلم: حسن سليم


منذ أن دخل قانون الخلع حيز التنفيذ في مصر عام 2000، برز كأحد أبرز التشريعات المثيرة للجدل في الساحة القانونية والاجتماعية. فقد جاء في الأساس كاستجابة لضغوط حقوقية واجتماعية ترفع شعار "الحرية للمرأة في تقرير مصيرها"، لكنه بمرور السنوات كشف عن أوجه قصور تشريعي وتطبيقات واقعية ولدت مشكلات أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا.


من حيث المبدأ، يقر القانون للزوجة بحق الخلع إذا بغضت الحياة مع زوجها ولم يعد بينهما سبيل للعيش المشترك، ويشترط رد مقدم الصداق والتنازل عن الحقوق المالية الشرعية. لكن هذه النظرية المثالية سرعان ما تتحول إلى سلسلة من المعارك القضائية المؤلمة التي لا يخرج منها أحد منتصرًا.


فالزوجة في معظم حالات الخلع لا تكتفي بالتنازل، بل تبدأ بعد الحكم في رفع دعاوى أخرى: تمكين من مسكن الزوجية، حبس بتهمة تبديد منقولات، دعوى نفقة، دعوى حبس لعدم دفع النفقة، بل وأحيانًا تشكيك في الذمة المالية للزوج للحصول على نفقة أعلى. وهنا يتجلى المفارقة المؤلمة: خلعت زوجها بحكم قضائي، لكنها ظلت تحاصره بالقانون لسنوات.


ولا أحد يلتفت إلى الوجه الآخر من الخلع: الرجل. إذ يُجرد من زوجته دون رغبته، دون أن ينطق يمين الطلاق، ثم يُلاحق بسلسلة من القضايا التي تسلبه بيته أو تحبسه أو تستنزف دخله. كثير من الرجال لا يعترضون على الطلاق ذاته، لكنهم يعانون من إساءة استخدام أدوات القانون، الذي أصبح في بعض الحالات وسيلة انتقام اجتماعي باسم "الحق القانوني".


والسؤال الذي يُطرح هنا: إذا كانت الزوجة هي التي اختارت إنهاء العلاقة، لماذا تُمنح كافة الامتيازات المترتبة على الزواج، وكأن الزوج هو المسؤول الوحيد عن فشل العلاقة؟



في ظل هذا المشهد، أصبح الطلاق، خاصة الخلع، تجارة رابحة لمكاتب المحاماة، وساحة لتصفية الحسابات الشخصية، بدلًا من أن يكون إجراءً لإنهاء علاقة فاشلة بهدوء واحترام متبادل. وتؤكد الإحصاءات أن نسبة قضايا الأحوال الشخصية، خصوصًا الخلع، في ارتفاع متزايد، مما يعكس تحولًا اجتماعيًا يستحق التوقف والدراسة.


ولا يمكن إنكار وجود نساء مظلومات، أو أن القانون أنصف البعض منهن ممن كنّ يعشن في جحيم. لكن المشكلة تكمن في التعميم، وفي أن تُستخدم أدوات العدالة كسلاح انتقامي يُمارس فيه أحد الطرفين ضغطًا غير مبرر على الآخر. وهذا يُنتج أجيالًا مشوهة نفسيًا، وشبابًا فاقدًا للثقة في مؤسسة الزواج، ونظامًا قانونيًا يبدو أحيانًا وكأنه لا يعرف سوى صوت الشكاوى والدعاوى.


إن إصلاح قانون الخلع لا يعني سحب الحق من النساء، بل تنظيمه بشكل يحقق التوازن بين الحقوق والواجبات. يجب أن يكون الطلاق بالتراضي أو على الأقل بالعدالة. ويجب أن يُراعى عند النظر في الدعاوى ما إذا كانت الزوجة قد استخدمت الخلع سبيلاً لإنهاء العلاقة، قبل أن تفتح أبواب التقاضي للمطالبة بمكاسب مالية لاحقة.


كذلك، من المهم مراجعة آليات تقدير النفقة، والتأكد من عدالتها لكلا الطرفين، وضمان عدم تحويل قائمة المنقولات إلى وسيلة حبس وابتزاز بدلًا من كونها إثباتًا لحقوق مادية.


فلا يمكن بناء مجتمع مستقر على تشريعات تشعل النار في النفوس بدلًا من أن تطفئها.. الخلع، كما وُضع، جاء كحق، لكنه تحوّل في كثير من الحالات إلى معول يهدم الأسر ويدمر ما تبقى من الاحترام بين الزوجين.


علينا أن نعيد النظر، لا من باب الذكورية أو النسوية، بل من باب العدالة. فالقانون ليس فقط ما يُكتب في النصوص، بل ما يُحدثه من آثار على الواقع. والواقع اليوم يصرخ بأن هناك خللًا في التطبيق يجب إصلاحه، وإلا سندفع جميعًا الثمن: أسرة ممزقة، وعدالة مشوهة، ومجتمع بلا أمان نفسي أو اجتماعي.



google-playkhamsatmostaqltradent