النحو العربي نشأة وتطور BDF
بقلم دكتور: طارق عتريس أبو حطب
عضو هيئة التدريس بالأزهر الشريف
النحو يصلح من لسان الألكن والمرء تكرمه إذا لم يلحن والنحو للكلام كالملح للطعام ويُعدّ النحو العربي أقدم العلوم اللغوية التي نشأت في البيئة العربية الإسلامية، حيث شكّل أساس التدبر والفهم الصحيح للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وركيزة للفكر العربي في مختلف الميادين وقد بدأ النحو العربي مع بدايات التدوين متأثرا بعوامل متباينة ثقافية ودينية وسياسية كرد فعل على تفشي ظاهرة اللحن إبان الفتوحات الإسلامية واختلاط العرب بالأعاجم مما ولد شعورا مبكرا بخطورة هدم اللسان العربي وقد حكى الجاحظ في البيان والتبيين عن الفاروق عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب الناس على اللحن واتفقت معظم مصادر التراث على أن أول من وضع أسس علم النحو هو ظالم بن عمرو المشهوربأبي الأسود الدؤلي بأمر من الإمام علي كرم الله وجهه في توجيهه الذائع انح هذا النحو ووردفي كتاب نزهة الألباء في طبقات الأدباء لابن الأنباري أن أبا الأسود وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف وحروف النصب والرفع والجر و على أية حال فهذا العمل يعد النواة الأولى التي بُني عليها علم النحو فيما بعد، ونتاجا لهذا التطور وفي القرنين الثاني والثالث للهجرة ظهرت للنحو مدرستان الأولى مدرسة البصرة التي تمتاز بالدقة المنهجية والاستقراء الواسع والسبق وأشهر أعلامها أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بسيبويه الذي ألّف كتابه الأشهر الكتاب الذي قال عنه الجاحظ "لم يُصنَّف كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه" والثانية المدرسة الكوفية التي ظهرت بعدها، وركزت على الرواية والشواهد اللغوية، واعتمدت في كثير من الأحيان على اللغة العامية المستعملة. من أعلامها علي بن حمزة بن فيروز المعروف بالكسائي.
وقد قامت العلاقة بين البصريين والكوفيين على جدال علمي متكرر وسّع آفاق البحث النحوي وشغل الناس وترجع منابع النحو العربي وأصوله ومصادره إلى ركائز أربع أولها القرآن الكريم الذي يمثل المصدر الأعلى، لأنه نزل بلسان عربي مين ولأنه تنزيل من حكيم حميد وكان النحاة يتحرّزون في الاستدلال به لما فيه من خصائص إعجازية رغم استقرائهم له في قواعدهم ثم يأتي الحديث النبوي الشريف الذي اشتدت حوله خصومة النحاة فمنهم من قبله بشروط إذا ثبتت صحته ولم يخالف فصاحة العرب ومنهم من تجنّب الاستشهاد به كما صرح السيوطي ويأتي شعر العرب خاصة في عصريه الجاهلي وصدر الإسلام فقد ذكر ابن جني في الخصائص أن الشعر ديوان العرب، فإذا التبست علينا قاعدة لغوية، رجعنا إلى الشعر أما الأساس الرابع فكلام العرب المنثور: كالأمثال والخطب والوصايا والحكم والمواعظ والمنافرات والمفاخرات وغيرها فكان الرواة يجمعونها من أفواه الأعراب الأقحاح الذين لم يختلط لسانهم وعليه ظهر النحو وطغى أثره فهو ليس علماً لغويًا فحسب بل بل هو المعين والسبيل لفهم الدين وتفسير النصوص، ومدخل للتأويل ومضمار رحيب تنافس فيه ثلة من علماء أكابر أمثال الزمخشري وابن هشام وابن مالك وابن معط والسيوطي وغيرهم وقد صار النحو يمثل حجر الزاوية وعلمًا مركزيًا في المناهج العلمية في مختلف المراحل والأطوار وبخاصة في أزهرنا الشريف وتأشيسا على ما أسلفنا نقرر لقد نشأ النحو العربي من رحم الحاجة، وساهم في حفظ اللغة العربية من التحلل والاضمحلال ولا تزال أصوله ومصادره تمثل إرثًا علميًا عظيمًا جدير بنا أن نعود إلى أصوله الرصينة ومصادره الأصيلة وأن نغوص بين منبعه ومصبه كاشفين وجوه الإعجاز النحوي ودقائق التركيب العربي لنرد القذى والغبرة عن حياض العربية في خطوة مبتغاة لتجديد علم النحو تجديدا يليق بشرف مكانته ويواكب زمن الدهشة والازدهار فلعلنا ننجو بنحونا العربي من الاغتراب والاندثار وننحو جميعا هذا النحو.
