الدكتورة حسينة عزام "حين يتجلى العلم تواضعا"
عرض. هبة محمد
نعرض اليوم قطفا شهيا من روضة غناء طفنا فيها في معية محاضرة مشوقة ثرية للدكتورة حسينة عزام المحاضر في مجال علم النفس التعليمي، والصحة النفسية
ونحن نعرض بعضا من النقاط المضيئة مما كان في المحاضرة:
التواضع ليس خُلقًا يُتكلّف، بل حالة من الصفاء تنبع من عمق الإدراك. وحده العالم الحقيقي هو من يستشعر حلاوة هذا الصفاء، لأن العلم حين يسكن القلب لا يملؤه كِبَرًا، بل يخلع عنه أثواب الزهو ليكسوه ثوب السكينة والوقار .
فكلما اتسعت آفاق المعرفة في ناظري العالم ، رأى نفسه صغيرا أمام ما يجهل، وعظم لديه هذا المجهول، وأدرك أن بحار العلم لا تُقاس بمقدار ما نغترف منها، بل بمدى ما نعجز عن إدراكه من عمقها.
العالم الحقّ وقور في منطقه وهيئته،وحركته،وسكونه، لأن الحقيقة عنده لا تحتاج إلى صخب،و ضجيج.
يتحدث برفقٍ يشبه النور حين ينساب في وجه الصباح، يسمع قبل أن يجيب، ويبحث قبل أن يحكم، فيغدو حضوره راحةً لا استعراضًا، وعلْمه نفعًا لا تفاخرًا.
أما أولئك الذين أرهقهم خواؤهم، فيتخذون من الغرور درعًا يستر ضعفهم، ومن الادّعاء سلّمًا زائفًا يعلو بهم لحظات قبل أن يهوي بهم إلى قاع سحيق.
إنهم كمن يلوّح بمصباح خافت في ظلمةٍ لا يعرف مداها، فيظن نفسه شمسًا،أو كالأعمى الذي ينير ليبصر غيره وهو لا يرى.
فالغرور — في حقيقته — ليس سوى صرخةٍ من نفسٍ لم تذق طمأنينة الفهم، ولم تتعلم بعد كيف تصمت لتتعلم.
العلم لا يزدهر في القلوب التي تضجّ بالأنانية، بل في القلوب التي تتسع كالأرض، تحتمل المختلف وتمنح الخير بلا مَنّ. ولهذا كان التواضع تاجًا يلبسه العلماء الحقّ، لا يُرى بالعين، لكنه يُشعّ من الكلمة، من النظرة، من السكون المملوء بالحكمة.
يبقى التواضع هو البصمة التي تميز العقول النيّرة عن الأصوات العالية. فالعالم الحقّ لا يطلب المجد، بل يترك أثره في صمتٍ كالمطر، يروي القلوب دون أن يتفاخر بأنه الغيم. وما أضيع عمرًا يملؤه الإنسان بالغرور، وهو لا يدري أن كل ما عرفه لا يُقاس بما لم يعرفه بعد.
فليكن العلم طريقًا إلى النور، لا إلى العلوّ على الناس، ولتكن المعرفة جسرًا إلى الرحمة، لا سُلَّمًا إلى الزهو. فالعظمة الحقيقية لا تُرى في كثرة ما نملك من علم، بل في رقّة الطريقة التي نحمله بها.
>بقي أن أقول "كلما ازداد المرء علمًا، ازداد لله خشوعًا، وللناس تواضعًا.".
