.jpeg)
الدكتورة حسينة عزام في حوار خاص لـ صدى الأمة: التفكير الحر هو سلاح الأزهر في مواجهة التطرف
حوار- طارق أبو حطب
في عالم تتسارع فيه المتغيرات، وتتشابك فيه القيم والمعارف، تظل الحاجة ماسة إلى فكر يوازن بين الإيمان والعقل، بين الأصالة والتجديد. من هذا المنطلق، كان لـ«صدى الأمة» هذا اللقاء الخاص مع الدكتورة حسينة عزام، المحاضر بالرواق الأزهري بالجامع الأزهر الشريف، والمحاضر المعتمد بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم، والحاصلة على درجة الدكتوراة في علم النفس التعليمي من جامعة عين شمس، لتتحدث عن دور الفلسفة في تطوير التعليم الأزهري وبناء وعي طلابه.
في بداية الحوار، رحبت الدكتورة حسينة عزام بلقاء «صدى الأمة»، مؤكدة أهمية توقيته، قائلة إن الفلسفة ليست خصمًا من الدين كما يظن البعض، بل هي جسر لفهمه بصورة أعمق. وأضافت أن الأزهر الشريف بطبيعته لا يضيق بالأفكار، بل يفتح أبوابه للحوار والبحث، لأنه مؤسسة علمية وتربوية قبل أن يكون دينية، مشيرة إلى أن تدريس الفلسفة في المعاهد والجامعة يساعد الطالب الأزهري على تحليل النصوص، وفهم الأفكار المعقدة، وبناء رؤية عقلانية متوازنة، وهي مهارات ضرورية للفقيه والداعية والمفكر.
وعن كيفية ترجمة هذه الرؤية إلى خطوات عملية، أوضحت الدكتورة حسينة أن الأزهر الشريف يسير بالفعل في هذا الاتجاه من خلال دمج المناهج الفلسفية التحليلية، مثل المنطق القديم والحديث وفلسفة اللغة والعلوم، داخل المقررات الدراسية. كما أشادت بالجهود المبذولة في تشجيع التفكير النقدي عبر أسئلة تعتمد على الفهم والتحليل بدلاً من الحفظ، وهي خطوة كبرى نحو تعليم تفاعلي يربط الطالب بالمعنى لا بالنص فقط.
وفي هذا السياق، وجهت الدكتورة حسينة الشكر إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، وفضيلة الشيخ أيمن عبدالغني رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، على إطلاقهم مبادرة «بناء» التي تُعد نقلة نوعية في تطوير الفكر الأزهري وتنمية مهارات النقد والإبداع لدى الطلاب.
وتابعت قائلة إن تطوير المناهج الأزهرية لا يعني التخلي عن الثوابت، بل تحديث طرق عرضها بما يسمح للطلاب بالتفاعل مع نصوص فلسفية إسلامية وغربية، لصناعة جيل قادر على الحوار، محصن ضد الفكر المتطرف.
وعن أبرز الاستراتيجيات التعليمية المستوحاة من الفلسفة، أكدت الدكتورة حسينة أن «التعليم الجدلي» أو «الحوار السقراطي» من أنجح الأساليب التي يمكن توظيفها داخل الفصول الأزهرية، حيث يعتمد على طرح الأسئلة وإثارة النقاش بدلاً من تقديم الإجابات الجاهزة، مما يعزز التفكير النقدي والاستقلال العقلي لدى الطلاب.
وردًا على من يخشون من تأثير الفلسفة على الثوابت الدينية، قالت إن الفلسفة ليست طريقًا للشك بل وسيلة للوصول إلى اليقين، مشيرة إلى أن الإمام الغزالي نفسه مرّ بتجربة فلسفية عميقة قبل أن يؤسس منهجه الروحي والعقلي في «التصوف الفلسفي». وأضافت أن ما ينقصنا اليوم هو التأصيل الأزهري للفكر الفلسفي، بعيدًا عن التقليد الغربي، مؤكدة أن تدريس الفلسفة بروح أزهرية واعية يحقق التحصين الفكري لا التشويش الذهني.
وفي ختام الحوار، وجهت الدكتورة حسينة عزام رسالة إلى علماء الأزهر والقائمين على تطوير التعليم، مؤكدة أن استلهام فكر الأسلاف والاستفادة من تراثهم هو أساس النهضة المعاصرة. وقالت إن الأزهر سيظل قويًا ما دام متمسكًا بمنهجه الوسطي، داعيًا طلابه إلى التفكير الحر المنضبط بقيم الإسلام.
واختتمت حديثها مؤكدة أن ما يقوم به الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وقيادات الأزهر من جهود في تطوير المناهج والرؤية الفكرية هو استمرار لمسيرة أزهر التنوير الذي علّم العالم أن الإيمان والعقل جناحان لا يطير الفكر إلا بهما.
وقد وجهت «صدى الأمة» في نهاية اللقاء خالص شكرها للدكتورة حسينة عزام على هذا الحوار المفعم بالوعي والإلهام، مؤكدة أن مثل هذه الرؤى الفكرية تشكل لبنة مهمة في مسار تجديد الخطاب الديني والفكري في مصر والعالم الإسلامي.
