recent
أخبار ساخنة

مؤتمر حل الدولتين... أمل جديد أم جاثوم قديم؟

 

 

مدينة نيويورك بين 28 و30 يوليو 2025


 مؤتمر حل الدولتين... أمل جديد أم جاثوم قديم؟



في زمنٍ تتكرر فيه المبادرات السياسية كما تتكرر فصول الأخبار، جاء مؤتمر حل الدولتين الذي استضافته مدينة نيويورك بين 28 و30 يوليو 2025، ليحمل عنوانًا مألوفًا ومضمونًا يبدو جديدًا.


فقد توّج المؤتمر أعماله بـ إعلان نيويورك، الذي قدّمه المنظمون بوصفه خارطة طريق نحو تسوية عادلة ودائمة، قائمة على تنفيذ حل الدولتين وإنهاء معاناة ممتدة منذ عقود.


مؤتمرٌ اجتمع فيه قادة أكثر من عشرين دولة، برعاية مشتركة بين السعودية وفرنسا، وبمشاركة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، في محاولة لإحياء المسار السياسي المتعثر للقضية الفلسطينية.


ورغم ما حمله من عناوين كبيرة وتغطية إعلامية لافتة، فإن كثيرين يرون أن المؤتمر لم يخرج تمامًا من ظلّ المؤتمرات السابقة، بل ربما أعاد صياغة الأفكار القديمة بعبارات أكثر تفاؤلًا وأقل واقعية.


إعلان نيويورك... تكرار بنبرة مختلفة

صدر عن المؤتمر ما عُرف باسم إعلان نيويورك، الذي دعا إلى وقف الحرب في غزة، ورفع الحصار، وتمكين السلطة الفلسطينية، وإعادة إعمار القطاع ضمن خطة عربية إسلامية متكاملة. كما أكد على ضرورة استئناف المسار السياسي القائم على حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود 1967 تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل.


كلمات متوازنة لا شك في صدق نواياها، لكنها بدت للكثيرين مألوفة جدًا، وكأنها نسخة من بيانات سابقة تحمل العناوين ذاتها مع اختلاف طفيف في التفاصيل.


جاثوم سياسي يلازم نتنياهو

من الطريف أن هذا المؤتمر شكّل، بشكلٍ غير مباشر، عبئًا سياسيًا على حكومة نتنياهو التي وجدت نفسها أمام ضغط دولي متجدد للعودة إلى طاولة المفاوضات.

هذا الضغط شكل جاثومًا سياسيًا جاثمًا على صدر رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ جاثوم لا يُغادر لكنه أيضًا لا يضغط بما يكفي لتغيير الموقف.


فنتنياهو، رغم مهارته في المناورة، يدرك أن العودة الجدية لمسار حل الدولتين قد تفتح عليه معارك داخلية هو في غنى عنها، لذلك يتعامل مع كل مؤتمر من هذا النوع وكأنه كابوس سياسي مؤقت سرعان ما يزول مع مرور الوقت.


خطوات على الورق أم بداية فعلية؟

الإعلان تضمّن خطة تنفيذية تبدأ بوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، وتمتد إلى إصلاح مؤسسات الحكم الفلسطيني ودعم الانتخابات العامة خلال عام.


كما دعا إلى مؤتمر دولي للمانحين، ومراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي، وتمويل برامج تدريب لقوات الأمن الفلسطينية بإشراف أممي وأوروبي.


خطوات مهمة على الورق، لكن تنفيذها على الأرض يحتاج إلى ما هو أكثر من النوايا الطيبة — يحتاج إلى توافق سياسي حقيقي وإرادة جماعية تتجاوز الخلافات.


رؤية للتكامل الإقليمي

أكد المؤتمر أن تحقيق الاندماج الإقليمي الكامل في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتم إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، مشددًا على أن السلام ليس مجرد وقف للحرب، بل بناء علاقات تعاون وتكامل اقتصادي بين شعوب المنطقة.


كما طرح المشاركون فكرة “تهيئة يوم السلام” عبر مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والتجارة والبنية التحتية، على غرار مبادرة السلام العربية، في محاولة لتحويل التفاهم السياسي إلى تعاون عملي على الأرض.


الواقعية السياسية... بين الأمل والتجربة

الحديث عن حل الدولتين لم ينقطع منذ التسعينات، لكن كل محاولة جديدة تصطدم بالواقع المعقد على الأرض.


مع ذلك، يبقى مجرد انعقاد هذا المؤتمر في حد ذاته إشارة إيجابية إلى أن فكرة الحل السلمي ما زالت حية، وأن المجتمع الدولي لم يفقد الأمل تمامًا في الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة.


ربما لا يحمل مؤتمر نيويورك الحل النهائي، لكنه يعيد تسليط الضوء على المسار السياسي بوصفه الخيار الوحيد القادر على منح المنطقة استقرارًا طويل الأمد.


في الختام

قد لا يكون المؤتمر لحظة التحوّل المنتظرة، لكنه بالتأكيد محطة مهمة في طريق طويل، تذكّر الجميع بأن الحديث عن السلام ما زال ممكنًا، وأن الجهود مهما بدت متكررة تبقي الباب مفتوحًا أمام الحلول السياسية.


ففي الشرق الأوسط، يبقى الأمل جزءًا من المعادلة، حتى وإن بدا أحيانًا مثل جاثومٍ قديم ينام على صدر المنطقة ولا يغادرها تمامًا.

google-playkhamsatmostaqltradent